الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام علىٰ سيد الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.
يواجه الشباب المتزوجون ذكوراً وإناثاً مشاكل في حياتهم الزوجية تؤدّي في كثير من الأحيان إلىٰ التفكك الأسري، وقد تتَّسع هذه المشاكل لتشمل مفاصل عديدة في حياة الشباب لعدم إيجاد حل لها.
ومن الضروري أن يجد هؤلاء الشباب من يساعدهم في حل مشاكلهم الأسرية، لأنَّ بعض المشاكل تحتاج إلىٰ رعاية ودقة متناهية في حلِّها ولا يستطيع المتزوِّجون إيجاد الحلول لها كالمشاكل العاطفية بين الزوجين وضمور العاطفة بينهما ومشكلة تكوين علاقات غير شرعية خارج إطار الأُسرة من طرف الزوجة أو الزوج وغيرها من المشاكل.
حيث أدَّت هذه المشاكل إلىٰ ارتفاع نسب الطلاق مما أدىٰ إلىٰ تفكك الأسرة وضياع الأطفال، وبالتالي انعكس هذا سلباً علىٰ المجتمع بشكل عام.
ونتيجة لخطورة هذه الموضوع نقف علىٰ واحدة من المشاكل الأسرية المشخصة في هذا الزمن وهي استغلال مشاعر الزوجة من غير الزوج، ونحاول أن نغطي بعض جوانبها في عدَّة نقاط:
أولاً: بيان المشكلة
يستغل كثير من الرجال وبمختلف الأعمار عاطفة المرأة المتزوِّجة ومشاعرها وبطرق مختلفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص أو عبر اللقاء المباشر ويحاولون التأثير علىٰ المرأة بتحريك عواطفها ومشاعرها بكلمات أو أعمال تؤثر عليها وتستميلها.
ويبدو أنَّ الزوج طرف مهم في هذه المشكلة من جهة تقصيره في أداء واجباته الملقاة عليه من قبل المولىٰ والعقل والعرف فهناك من الأزواج من يمتنع عن الأنفاق علىٰ زوجته أو لا يراعي الجوانب العاطفية أو يكون سيء الخلق مع زوجته فتتَّجه الزوجة نحو البحث عن الرعاية والاهتمام والعواطف الضائعة في أماكن أخرىٰ مظلمة وعند أشخاص منحرفين.
ثانياً: خطورة المشكلة
ونتيجة لذلك يحصل التأثير السلبي علىٰ بعض النساء فتنجر للسعي وراء الرجل الأجنبي تاركة خلفها زوجها وأُسرتها، منحرفة بذلك عن واجباتها الشرعية والأخلاقية والعرفية.
فتوجّه المرأة مشاعرها وعواطفها بشكل غير صحيح نحو أشخاص أجانب بعلاقات مشبوهة، وهذا خطر عظيم يهدد كيان الأُسرة بشكل خاص والمجتمع بشكل عام.
فإنَّه بعد علم الزوج بذلك تترتب نتائج وخيمة تؤدي إلىٰ هدم البيت الأسري وانفصال الزوجين بالطلاق وضياع الأطفال وتترك هذه المسألة آثاراً مؤلمة في أعماقهم لن تُمحىٰ أبداً.
ثالثاً: ما هي الحلول؟
يمكن أن تذكر في هذا الشأن عدَّة حلول منها:
أولاً: تفعيل المشاعر بين الزوجين
مَنَّ الله تبارك وتعالىٰ علىٰ الزوجين بأن جعل بينهما رابطتان تساهمان في شد وتقوية أواصر الزوجية وهما المودة والرحمة، والمطلوب من الزوجين إحياء وتفعيل هذه الهبة الإلهية لهما، قال الله تعالىٰ: ﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم: ٢١).
إنَّ بعض المتزوِّجين يجعل من الطرف الآخر في البيت صورة جامدة ليس لها مشاعر ولا عاطفة فلا ينالها إلّا الإهمال ولا يبادلها المودَّة والحب والعاطفة وعندها تفقد الزوجة مثلاً مصدراً مهماً وأساسياً للحب والمودَّة ولا تجد من الزوج إلّا الجفاء والبرود في المشاعر وعدم الاهتمام، فتعيش الزوجة الوحدة مع زوجها، فيتسبب ذلك في مشاكل زوجية كبيرة ويؤدي إلىٰ ابتعاد الزوجين بعضهما عن البعض الآخر ولو كانا تحت سقف واحد، مما يجعلهما يعيشان في حياة فارغة وجافة خالية من الحب والطمأنينة، فعلىٰ الزوجين التفكير بموضوعية وعقلانية وإحياء ما جعله الله بينهما من المودَّة والرحمة.
ومما يحقق تفعيل المشاعر أمور، منها:
التصرف الجميل وحسن الخلق
حثَّ أهل البيت (عليهم السلام) علىٰ تحسين العلاقة والتصرف الجميل وحسن الخلق بين الزوجين، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال:
«رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته، فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد ملَّكه ناصيتها، وجعله القيِّم عليها»(1).
وورد عنه (عليه السلام):
«لا غنىٰ بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي: الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قبلها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها»(2).
فالأشياء الثلاثة التي ذكرها الحديث هي:
١ – الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها
يعتبر الزوج ربّان العائلة وقائدها ولابد أن يسير بالعائلة إلىٰ برِّ الأمان فيبتعد عن الخلافات والمشاكل والتعالي مهما أمكن، خصوصاً مع الزوجة لأنَّ الخلافات والمشاكل تعكر صفو العائلة والارتباط بين الزوجين فعلىٰ الزوج أن يتصرف بحكمة ودراية مع زوجته واللجوء إلىٰ العقل والحوار مع الزوجة والتوافق في الآراء والبحث عن النقاط المشتركة بينهما، وبالتالي يحصل الزوج علىٰ الهدوء في البيت والتوافق مع زوجته ومحبتها.
٢ – حسن خلقه معها:
إنَّ الزوجة في البيت ريحانة لا قهرمانة، فينبغي علىٰ الزوج رعايتها والاهتمام بها كالزهرة وترك الأخلاق السيئة والقهر والغلبة والتكبر، ولابد من التواضع مع الزوجة وترك العصبية والغضب.
فحريٌّ بالزوج أن يعيش مع زوجته بالأخلاق الحسنة وهجران الأخلاق المذمومة والسيئة وإشاعة كل ما هو جميل ولطيف في الأُسرة.
٣ – استعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها وتوسعته عليها:
ذكاء الزوج وتصرفاته في الأُسرة أمر مهم جداً وفي أدق التفاصيل لأن المرأة بطبيعتها حساسة جداً وترصد كل قول وفعل من الزوج مما يؤثر علىٰ قلبها سلباً وإيجاباً، وهذه الفقرة من الحديث ذكرت أمرين لهما تأثير كبير علىٰ الزوجة ومشاعرها وهما:
أ – الهيئة الحسنة:
دلَّت الأخبار علىٰ أهمية عناية الرجل بشكله وصورته ونظافته، فعن أبي جعفر (عليه السلام)، قال:
«النساء يحببن أن يرين الرجال في مثل ما يحب الرجال أن يرىٰ فيه النساء من الزينة»(3).
وهناك أخبار أكَّدت علىٰ اهتمام الرجل بهيئته خصوصاً مع زوجة في شأنه الخاص، فقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال:
«ليتهيأ أحدكم لزوجته كما يحب أن تتهيأ زوجته له»(4).
فلينظر الزوج إلىٰ نفسه وهيئته بشكل دائم حتَّىٰ يحصل علىٰ محبة زوجته واهتمامها كما يحب أن يرىٰ زوجته علىٰ ذلك.
ب – توسعته عليها:
أي بالإنفاق عليها وسدِّ حاجتها خصوصاً إذا كان الزوج ذو سعة، وهناك تأكيد من القرآن الكريم علىٰ هذه المسألة، قال تعالىٰ: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْـرٍ يُسْـراً﴾ (الطلاق: ٧).
وكذلك في روايات أهل البيت (عليهم السلام) فعن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول:
«من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقّاً علىٰ الإمام أن يفرق بينهما»(5).
وعن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما حق المرأة علىٰ زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال: «يشبعها ويكسوها، وإن جهلت غفر لها»(6).
إنَّ مسألة الإنفاق علىٰ الزوجة لها دور كبير في زرع الحب والمودَّة في قلب الزوجة لأنَّها ضمانة لحياتها الاقتصادية، فلو قصَّر الزوج في الإنفاق علىٰ زوجته فقد تلجأ الزوجة إلىٰ طرق أخرىٰ للحصول علىٰ الأموال، ومن هنا ستبدأ المشاكل.
ومنها خطاب المودّة:
إنَّ كثيراً من الأزواج ينسىٰ أو يتناسىٰ أنَّ له زوجة تحتاج إلىٰ حبِّه وحنانه وعطفه خصوصاً بعد مضي سنوات علىٰ زواجهما ولا يتفوَّه بكلمة واحدة عاطفية تجاه زوجته حياءً أو لا يبالي بذلك، علىٰ الرغم من أنَّها قد تكون عبارة ضرورية لأجل إيجاد حياة مفعمة بالمودَّة والرحمة.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلىٰ الله عليه وآله): «قول الرجل للمرأة: إني أحبك لا يذهب من قلبها أبداً»(7).
فقد دلَّ الحديث علىٰ طريق لترسيخ العاطفة بين الزوجين والحفاظ علىٰ العلاقة الزوجية من البرود العاطفي، فالحديث يوضِّح أمراً مهماً للغاية ويدعو إلىٰ إبراز المشاعر بين الزوجين ليبدي الزوج مهتماً بزوجته ومراعياً لها ولمشاعرها ويشبعها حباً وعاطفة.
فهذا القول يحيي قلب الزوجة ويجعله مكاناً للزوج يعيش فيه، من هنا كانت هذه الكلمة مهمة ولها آثار إيجابية ومثمرة، ينبغي علىٰ الزوج أن يلاحظها ويهتم بها، فعلىٰ الزوج أن يسمع زوجته هذه الكلمة دائماً حتَّىٰ لا تبحث عن شخص آخر تسمعها منه وتقع في شباكه وحينها يبدأ الفساد والخيانة والسقوط.
ومنها تجمل الزوج لزوجته:
كما أنَّ الشريعة أمرت المرأة أن تهتم بزوجها كذلك أمرت الزوج أن يهتم بزوجته فمن حق الزوجة علىٰ زوجها أن يتجمّل لها ويظهر الهيئة الحسنة في عينها، حيث يؤكِّد الإسلام علىٰ التنظيف والأناقة وتزيُّن الزوج لزوجته.
فعن الحسن بن جهم قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) اختضب، فقلت: جعلت فداك، اختضبت، فقال: «نعم، إنَّ التهيئة مما تزيد في عفَّة النساء، ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن التهيئة»، ثم قال: «أيسرُّك أن تراها علىٰ ما تراك عليه إذا كنت علىٰ غير تهيئة»؟ قلت: لا، قال: «فهو ذاك…»(8).
وعن علي بن موسىٰ (عليه السلام) قال: «أخبرني أبي، عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) أن نساء بني إسرائيل خرجن من العفاف إلىٰ الفجور، ما أخرجهن إلَّا قلَّة تهيئة أزواجهن»، وقال: «إنَّها تشتهي منك مثل الذي تشتهي منها»(9).
عندما يتأمَّل الزوج بهذه الأحاديث يجد أنَّ حب الزوجة ومودَّتها بل عفَّتها مرتبط باهتمام الزوج بنفسه، فعلىٰ الزوج إذن رعاية هذه الأمور لأنَّ ما يترتب عليها أمر مهم جداً وهو عفة الزوجة.
ومنها تخصيص وقت للزوجة من قبل الزوج:
كثير من الأزواج يقع في ما يسمىٰ بالخرس الزوجي فلا يتحدث مع زوجته ولا يعير لذلك اهتماماً أبداً بسبب أو بدون سبب، ولكن الزوجة تهتم بالحديث مع الزوج فينبغي للزوج تخصيص وقت للحديث مع زوجته حول همومها ومشاكلها ومستقبلها وغيرها، وعندها تشعر الزوجة باهتمام الزوج وتقديره وأنها جزء من الزوج.
ولا يعني ذلك تخصيص وقت للحديث فقط مع الزوجة، بل ينبغي علىٰ الزوج تخصيص وقت آخر للخروج في سفرة أو نزهة أو زيارة الأرحام أو الأصدقاء مع زوجته، فهذه الأمور تساهم في تفعيل المشاعر والأحاسيس بين الزوجين.
مساعدة الزوج لزوجته في أعمال البيت، ومنها:
التعاون في المنزل بين الزوجين يضفي علىٰ البيت الأُسري وعلىٰ العلاقة الزوجية مزيداً من الحب والاحترام والتقدير، فلا ينبغي للزوج أن يترك زوجته غارقة لوحدها في أعمال المنزل يصيبها الإعياء والإرهاق وهو يتفرَّج عليها بحجة أنَّ هذه الأعمال ليست واجبة علىٰ الزوج، حيث إنَّ في هذا إيحاء للزوجة أنَّ الزوج غير مهتم بها وأنَّها بمنزلة الآلة التي توفِّر له الخدمة، وهذا شعور خطير ينتاب الزوجة ويمتهن شخصيتها كإنسانة وزوجة.
علىٰ الزوج أن يلتفت ويدرك أهمية التعاون في البيت ومدىٰ تأثيره علىٰ مشاعر الزوجة وعاطفتها تجاه الزوج، فإنَّه يساهم في تعميق مشاعر الحب والود الضروريين في الأُسرة.
هذا ناهيك عن الثواب العظيم الذي يناله الزوج إزاء إعانته لزوجته، فعَنْ عَلِيٍّ (عليه السلام) قَالَ: «دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ (صلىٰ الله عليه وآله) وفَاطِمَةُ جَالِسَةٌ عِنْدَ الْقِدْرِ وأَنَا أُنَقِّي الْعَدَسَ، قَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: اسْمَعْ مِنِّي ومَا أَقُولُ إِلَّا مَنْ أَمَرَ رَبِّي، مَا مِنْ رَجُلٍ يُعِينُ امْرَأَتَهُ فِي بَيْتِهَا إِلَّا كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ عَلَىٰ بَدَنِهِ عِبَادَةُ سَنَةٍ صِيَامٍ نَهَارُهَا وقِيَامٍ لَيْلُهَا، وأَعْطَاهُ اللهُ تَعَالَىٰ مِنَ الثَّوَابِ مِثْلَ مَا أَعْطَاهُ اللهُ الصَّابِرِينَ ودَاوُدَ النَّبِيَّ ويَعْقُوبَ وعِيسَىٰ (عليه السلام)، يَا عَلِيُّ مَنْ كَانَ فِي خِدْمَةِ الْعِيَالِ فِي الْبَيْتِ ولَمْ يَأْنَفْ، كَتَبَ اللهُ تَعَالَىٰ اسْمَهُ فِي دِيوَانِ الشُّهَدَاءِ وكَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ ثَوَابَ أَلْفِ شَهِيدٍ وكَتَبَ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ ثَوَابَ حِجَّةٍ وعُمْرَةٍ وأَعْطَاهُ اللهُ تَعَالَىٰ بِكُلِّ عِرْقٍ فِي جَسَدِهِ مَدِينَةً فِي الْجَنَّةِ، يَا عَلِيُّ سَاعَةٌ فِي خِدْمَةِ الْعِيَالِ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ أَلْفِ سَنَةٍ وأَلْفِ حَجٍّ وأَلْفِ عُمْرَةٍ، وخَيْرٌ مِنْ عِتْقِ أَلْفِ رَقَبَةٍ وأَلْفِ غَزْوَةٍ وأَلْفِ عِيَادَةِ مَرِيضٍ وأَلْفِ جُمُعَةٍ وأَلْفِ جَنَازَةٍ وأَلْفِ جَائِعٍ يُشْبِعُهُمْ وأَلْفِ عَارٍ يَكْسُوهُمْ وأَلْفِ فَرَسٍ يُوَجِّهُهَا فِي سَبِيلِ اللهِ وخَيْرٌ لَهُ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ يَتَصَدَّقُ عَلَىٰ الْمسَاكِينِ وخَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ التَّوْرَاةَ والْإِنْجِيلَ والزَّبُورَ والْفُرْقَانَ ومِنْ أَلْفِ أَسِيرٍ أَسَرَ فَأَعْتَقَهَا وخَيْرٌ لَهُ مِنْ أَلْفِ بَدَنَةٍ يُعْطِي لِلْمَسَاكِينِ ولَا يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا حتَّىٰ يَرَىٰ مَكَانَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، يَا عَلِيُّ مَنْ لَمْ يَأْنَفْ مِنْ خِدْمَةِ الْعِيَالِ دَخَلَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، يَا عَلِيُّ خِدْمَةُ الْعِيَالِ كَفَّارَةٌ لِلْكَبَائِرِ ويُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ ومُهُورُ حُورِ الْعِينِ ويَزِيدُ فِي الْحَسَنَاتِ والدَّرَجَاتِ، يَا عَلِيُّ لَا يَخْدُمُ الْعِيَالَ إِلَّا صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ أَوْ رَجُلٌ يُرِيدُ اللهُ بِهِ خَيْرَ الدُّنْيَا والْآخِرَةِ»(10).
ثانياً: وسائل تعزيز ثقافة التعامل بين الزوجين:
إنَّ كثيراً من الشباب المتزوِّجين ليس لديهم معرفة كافية في كيفية التعامل مع الزوجة والأُسرة مما يؤدّي إلىٰ التصادم والنفرة بين الزوجين.
ومن هنا تقع المسؤولية علىٰ عدَّة جهات لأجل بيان وتحديد كيفية العلاقة الزوجية للشباب قبل الزواج بل بعده أيضاً، ومن هذه الجهات:
أ – الحكومات:
بسبب توفُّر عوامل النجاح عند الحكومات والتي تساهم في الوصول إلىٰ الأهداف فيقع علىٰ عاتقها مسؤولية كبيرة في تثقيف الشباب ذكوراً وإناثاً للقيام بدورهم بشكل صحيح في بناء الأُسرة علىٰ أساس القيم والمبادئ الإسلامية.
وهناك خطوات اتَّخذت من بعض البلدان في هذا الجانب حيث أنشأت مراكز تثقيفية أقيمت فيها دورات تؤهل الشباب المقبلين علىٰ الزواج، وبعد انتهاء الدورة تقدِّم رخصة زواج للمشاركين وتزداد ساعات الدورات بالنسبة للذين يرغبون بالزواج مرة أخرىٰ.
وتضمَّنت هذه الدورات دروساً بعنوان استشارات ما قبل الزواج من أجل تقديم أفكار واقعية وافية قبل الزواج من أجل زيادة الوعي عند الزوجين وتأسيس حياة زوجية قائمة علىٰ الحب والمودَّة والرحمة.
وهناك دروس أيضاً في بيان خطط مالية مستقبلية للأزواج يساهم في إعانتهم علىٰ تجنب الأزمات الاقتصادية التي ينتج عنها الطلاق وكذلك تبيِّن لهم طرق التحضير للزواج.
ويمكن رسم عدَّة خطوات كبرنامج عمل في هذه الدورات كتحليل شخصية الزوجين من ثم تقدم النصائح لكل منهما بناء علىٰ هذا التحليل، وعرض بعض الأفلام الوثائقية للشباب يعرض فيها بعض المشاكل الزوجية وتحليلها وإعطاء النتائج، وبيان الطرق الصحيحة للتعامل مع الأُسرة، وكذلك يمكن توزيع الكتب الخاصة بالأسرة علىٰ الشباب، وضرورة تدريب مختصين بشأن الأُسرة يتواصلون مع الشباب من أجل تنظيم أُسرهم إلىٰ غيرها من الأساليب الأخرىٰ.
ب – الأهل:
والمقصود من الأهل هنا هم الأب والأُم لكلا الزوجين، ونتيجة لقربهم من أبناءهم الذين يرومون الزواج، وكذلك إحاطتهم بأحوال أبنائهم، وشعورهم بالسعادة عند نجاحهم في الحياة الزوجية، وخبرة الأهل في الحياة الزوجية، كل هذه الأسباب تحتم علىٰ الأهل استثمار ما لديهم في نصح أبنائهم وتعليمهم وبيان الطرق الصحيحة في تسيير أمور العائلة والعلاقة بين الزوجين ومع الأطفال.
وأول دور للأهل هنا هو التطبيق العملي أمام الأبناء لقوانين الأُسرة السعيدة حتَّىٰ يكونوا القدوة في ذلك وفق ما رسمته الشريعة المقدسة، فلابد للأب أن يتصرَّف بشكل صحيح مع زوجته وأبنائه وكذلك الزوجة.
ولا يقتصر دور الأهل في ذلك قبل الزواج فقط، بل لابد أن تمتد رعاية الأهل لأبنائهم إلىٰ ما بعد الزواج، ولابد من استغلال كل الفرص في سبيل تحقيق الغاية القصوىٰ وهي استقرار الزوجين في الحياة الأسرية وترتيب العلاقة الصحيحة بينهما والعناية بكل شؤونهم الحياتية، ومعالجة الحالات السلبية التي تقع بين الزوجين ووضع الحلول لها بشكل سريع، لأنَّ الأبناء عادة لا يمتلكون خبرة تؤهلهم لشق طريقهم في تكوين أُسرة سعيدة مستقرة، ويمكن استشارة أهل الخبرة وذوي العقول الراجحة سواء من الأهل أم من غيرهم في حل مشاكل الزوجين.
ج – رجال الدين:
لا شك أن مسألة الأُسرة وتكوينها من أهم المسائل الإسلامية التي لابد أن تركِّز عليها أنظار رجال الدين، حيث إن لهم دوراً كبير في تربية الأُمة وربطها بالإسلام الأصيل بما يملكونه من مخزون فكري وعلمي، ولابد من بذل الجهود في نشر القيم الحقة وتقديم الحلول للمشاكل التي تعرض المجتمع.
إن إعداد البرامج والمحاضرات في مناسبات ومواسم التبليغ التي تسلط الضوء علىٰ الأُسرة وتكوينها ورعايتها وحل مشاكلها وفق الشريعة المقدسة أمر مهم وحساس خصوصاً في أوقات تتعرض فيها الأُسرة إلىٰ التفكك والضياع مع دخول ثقافات تجر الأُسر نحو الانحراف والتحلل والابتعاد عن الأخلاق الإسلامية الأصيلة.
وينبغي الاستمرار والتكرار في طرح هكذا مواضيع مهمة وحساسة تخص الأُسرة والمجتمع لأنَّها تسهم في إيصال منظومة الإسلام فيما يتعلق بالأسرة وشؤونها وهذا له الأثر العظيم في إصلاح أحوال الناس الأُسرية ومعالجة همومهم ومشاكلهم.
د – الهيئة التدريسية في المدارس والجامعات:
إنَّ للمدرسة والجامعة دور كبير في التأثير علىٰ الطلبة وإعدادهم بشكل صحيح ويمكن استغلال وجود الطالب في هذه الأماكن من قبل الهيئة التدريسية في بيان الطرق الصحيحة لبناء الأُسرة والعلاقة مع الزوجة، وذلك عن طريق تخصيص محاضرات خاصة بهذا الجانب، وكذلك عقد الندوات والمؤتمرات واستضافة مختصين بالأُسرة وشؤونها وغيرها من الطرق التي تبيِّن أهمية الأُسرة السعيدة ودورها البنّاء في المجتمع.
بعض واجبات الزوجة تجاه زوجها:
إلىٰ هنا ذكرنا بعض ما يجب أن يفعله الزوجان أحدهما تجاه الآخر للمحافظة علىٰ الأُسرة وركَّزنا في جوانب عدَّة علىٰ ما يقوم به الزوج تجاه زوجته، ولكن ينبغي للزوجة مقابلة زوجها بالحب والمودَّة والعطف والحنان والتقدير، حيث إنَّ عليها واجبات تقوم بها إزاء زوجها وإن لم يكن الزوج علىٰ قدر المسؤولية وتقاعس عن الاهتمام بها، ومن هذه الواجبات:
أولاً: الالتزام بأحكام الشريعة المقدسة:
اهتمَّ القرآن الكريم في آيات كثيرة بصون المرأة وعفَّتها وعدم ابتذالها، وبيَّن لها الحدود الشرعية في ذلك وأمرها الالتزام بالأحكام الإلهية، قال تعالىٰ:
﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْـرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأَرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلىٰ عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْـرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَىٰ اللهِ جَمِيعاً أَيـُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (النور: ٣١).
إنَّ التأمل في ذيل الآية المباركة ﴿وَتُوبُوا إِلَىٰ اللهِ جَمِيعاً أَيـُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ يلزم النساء بالرجوع إلىٰ الله والتوبة بترك معاصيه وامتثال أوامره، فإنَّ فيها الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة.
ثانياً: عفة الزوجة
العفة هي الكف والامتناع عن القبيح وتنزيه النفس عن الجري وراء الشهوات المحرَّمة بحفظ النفس عن الحرام.
إنَّ العفة ضرورة ملحة للإنسان المتديِّن بشكل عام وللمرأة بشكل خاص، وقد ذكرت الروايات آثاراً متعددة لها، منها:
أ – إنَّ العفة من أفضل العبادات:
فعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ما عبادة أفضل عند الله من عفة بطن وفرج»(11).
ب – إنَّ العفة تدخل صاحبها الجنة:
فعن أنس قال: قال رسول الله (صلىٰ الله عليه وآله وسلم): «من ضَمِن لي اثنتين ضَمِنتُ له علىٰ الله الجنة، من ضَمِن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضَمنتُ له علىٰ الله الجنة» [يعني: ضمن لي لسانه وفرجه](12).
ج – عدم العفة سبب لدخول النار:
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلىٰ الله عليه وآله): أكثر ما تلج به أُمتي النار الأجوفان: البطن والفرج»(13).
وقد اهتمَّت المرجعية العليا في النجف الأشرف بمسألة عفة المرأة وضرورة التزامها بالأحكام الشرعية وانعكس ذلك في كثير من أجوبتها الصادرة عنها، ففي سؤال وجّه لها في أنَّه هل يجوز للمرأة أو البنت الشابّة التواصل مع الرجل من خلال برامج التواصل الاجتماعي المختلفة؟
فكان الجواب: لا يجوز للمرأة التواصل مع الرجل بالمراسلة الكتابية أو الصوتية فيما لا يجوز بالمشافهة بلا فرق، ولا ينبغي لها التصرّف علىٰ وجه يثير ريبة زوجها أو أبيها، بل قد يحرم ذلك في جملة من الموارد كما لو كان التصرّف من قِبَل الزوجة مريباً عقلاءً بحيث يعدّ منافياً لما يلزمها رعايته تجاه زوجها أو كان التصرّف من البنت ممّا يوجب أذيّة الأب شفقةً عليها، وكذلك الحال في الابن بالنسبة إلىٰ أبيه، وإذا توقّف رفع الإشكال علىٰ اطّلاع الزوج أو الوالد علىٰ مضمون المراسلات تعيّن ذلك إذا لم يترتّب محذور آخر.
وعلىٰ العموم، فإنَّ للزوج والوالد وظيفة في شأن الزوجة والولد، قال الله تعالىٰ: ﴿يا أَيـُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ﴾ (التحريم: 6)، فعلىٰ الزوجة والأولاد أن يكونوا عوناً لهما في القيام بهذه الوظيفة علىٰ ما أمر الله تعالىٰ به، ولهما في حال عدم الاستجابة لذلك القيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مورده حسب الضوابط الشرعية(14).
ثالثاً: الاعتناء بالزوج
إنَّ الزوجة التي تطلب السعادة لابد لها أن تحافظ علىٰ بيتها وزوجها، فلا تجعل الزوج يلجأ لغيرها ويتركها وعليها أن تتَّصف بالصفات الحسنة والجميلة التي تجعل الزوج ينجذب لها، فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): «… لا غنىٰ بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهن: صيانة نفسها عن كل دنس حتَّىٰ يطمئن قلبه إلىٰ الثقة بها في حال المحبوب والمكروه، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلة تكون منها، وإظهار العشق له بالخلابة، والهيئة الحسنة لها في عينه»(15).
إنَّ هذا الحديث يشدِّد علىٰ عفة الزوجة وضرورة تفعيل مشاعرها وإظهارها لزوجها.
فقوله (عليه السلام): «صيانة نفسها» يعني أن تكون المرأة عفيفة حتَّىٰ يطمئن إليها زوجها.
وقوله (عليه السلام): «وحياطته»، «وإظهار العشق» يعني أن تفعل الزوجة مشاعرها تجاه زوجها.
وقوله (عليه السلام): «والهيئة الحسنة» في عينه يعني أن تتزين لزوجها وتظهر جمالها له.
إنَّ من أهم واجبات الزوجة صيانة الزوج بحضوره وغيابه، والمحافظة علىٰ سمعته، ولابد أن تتجنَّب عن كل ما يسيئهما ويخدشهما كالخلاعة والميوعة والحديث مع الأجنبي وتكوين علاقات محرمة، حيث إن هذه الأمور حرمتها الشريعة المقدسة ورتَّبت عليها الحساب يوم القيامة.
وفي الختام:
حرص الإسلام علىٰ أن تكون الأُسرة مبنية علىٰ المبادئ والقيم الإسلامية، فرابط الأُسرة مقدَّس عند الإسلام، وأهم عنصرين في الأُسرة هما الزوجان فكل فعل أو قول من الزوجين لابد أن يكون مدروساً مسبقاً ومتوافقاً مع الشريعة المقدسة وإلَّا ستذهب الأُسرة إلىٰ التفكك.
فلينظر الزوجان إلىٰ نفسيهما ولابد أن يقترب أحدهما من الآخر ويحافظان علىٰ عائلتهما وبيتهما، ويحلان مشاكلهما بهدوء وإحسان ويبتعدان عن كل ما يسيء لحياتهما الزوجية حتَّىٰ لا يتركا مجالاً لتدخل العابثين والفاسدين.
وفوق كل هذا عليهما الرجوع إلىٰ الله فإنَّ في ذلك ساعدتهما دنيا وآخرة.
(1) من لا يحضره الفقيه الصدوق: ٤٤٣.
(2) تحف العقول: ٣١٥.
(3) مكارم الأخلاق – الطبرسي: ٨٠.
(4) دعائم الإسلام – القاضي النعمان المغربي: ج١، ص١٢٣.
(5) الوسائل: ج٢١، أبواب النفقات ٥٠٩.
(6) الوسائل، ج٢٠، باب استحباب الإحسان إلىٰ الزوجة، ح١: ١٦٩.
(7) الكافي – الكليني: ج ٥: ٥٦٩.
(8) جامع أحاديث الشيعة: ج٢٠، ص ٢٠٥.
(9) البحار: ج٧٣، ص٩٧.
(10) جامع الأخبار: ١٠٢.
(11) المصدر السابق: ٢٤٩.
(12) الوسائل: ج ١٥:٢٥٠ و٢٥١.
(13) المصدر السابق: ٢٤٩.
(14) موقع مكتب السيد السيستاني (دام ظله).
(15) تحف العقول: ٣١٥، (الخلابة – بكسر الخاء -: الخديعة باللسان أو بالقول الطيب).