الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علىٰ أشرف الخلق أجمعين محمد وآله أجمعين.
من المسائل العقائدية التي اختلف فيها بين المذاهب الإسلامية هي قضية الرجعة والمقصود بها هي الرجوع إلىٰ الدنيا بعد الموت، وقال الجوهري والفيروزآبادي: (فلان يؤمن بالرجعة، أي بالرجوع إلىٰ الدنيا بعد الموت)(1).
واعتقد بالرجعة جماعة وأنكرها آخرون وانفرد الشيعة الإمامية من دون المذاهب الإسلامية الأخرىٰ في القول بالرجعة، واستدلوا عليها من القرآن وسُنَّة الرسول الأكرم (صلىٰ الله عليه وآله وسلم)، وأهل بيته (عليهم السلام)، وهذا ما دعاني أن أكتب مقالة في الرجعة وقد تضمَّنت:
أولاً: أدلة الرجعة:
١ – آيات من القرآن الكريم وهي علىٰ قسمين:
أ – آيات دالة علىٰ إمكان الرجعة.
ب – آيات دالة علىٰ وقوع الرجعة.
٢ – الروايات الواردة علىٰ لسان أهل البيت (عليهم السلام).
ثانياً: أقوال العلماء ونتناول فيها:
– الرجعة عند علماء الشيعة.
– الرجعة عند علماء السنة.
٣ – أدلة الرجعة عند الديانة النصرانية والمسيحية.
ثالثاً: بيان الحكمة من الرجعة.
رابعاً: الثمرة.
خامساً: الخاتمة.
تمهيد:
الرجعة في اللغة: مأخوذة من كلمة رجع وهي تدل علىٰ العود والتكرار والرد.
يقال رجع رجوعاً إذا عاد.
واصطلاحاً: ورد في معناها عدَّة أقوال منها:
رجوع الإمام علي والإمام الحسين وبعض الأئمة (عليهم السلام).
ومنها: رجوع كل الأئمة (عليهم السلام).
ومنها: رجوع بعض الأموات إلىٰ الدنيا وخاصة من محض الإيمان محضاً ومن محض الكفر محضاً(2).
وأطلق البعض علىٰ الرجعة هو ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) نفسه باعتبار رجوعه إلىٰ الناس بعد الغيبة.
ولكن في الحقيقة (في ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله تعالىٰ فرجه الشريف) شيء، وعودة الحياة إلىٰ مجموعة من الأموات شيء آخر، كما أنَّ البعث يوم القيامة أمر ثالث، فيجب تمييزها وعدم الخلط بينها)(3).
أولاً: أدلّة الرجعة:
هناك مجموعة من الأدلة علىٰ الرجعة من القرآن الكريم والسُنَّة النبوية الشريفة عند علماء الإسلام من مختلف المذاهب، وسنتناول أولاً آيات القرآن الكريم ثم السُنَّة الشريفة.
١ – آيات من القرآن الكريم، وهي علىٰ قسمين:
أ – آيات تدل علىٰ إمكانية الرجعة:
الآية الأولىٰ:
قوله تعالىٰ: ﴿أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتىٰ﴾ (القيامة: ٤٠).
وهي دالّة علىٰ إمكان الرجعة، فإنَّها من قسم إحياء الموتىٰ لا تزيد علىٰ ذلك، ورد في مجمع البيان قوله: (هذا تقرير لهم علىٰ أنَّ من قدر علىٰ الابتداء قدر علىٰ البعث والإحياء…)(4).
الآية الثانية:
قوله تعالىٰ: ﴿وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِـيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ (يس: ٧٨-٧٩).
وهي دالّة علىٰ إمكان الرجعة دلالة واضحة ظاهرة.
ورد في تفسير الميزان أنَّ معنىٰ الآية الكريمة أنَّه ضرب الإنسان لنا مثلاً وقد نسي خلقه من نطفة لأول مرة ولو كان ذاكره لم يضرب المثل الذي ضربه.
وهو قوله: من يحي العظام وهي بالية لأنَّه كان يرد علىٰ نفسه… وفيها أيضاً إشارة إلىٰ أنَّه تعالىٰ لا ينسىٰ ولا يجهل شيئاً من خلقه، فإذا كان هو خالق هذه العظام لأول مرة وهو لا يجهل شيئاً مما كانت عليه قبل الموت وبعده فإحياؤه ثانياً بمكان من الإمكان لثبوت القدرة وانتفاء الجهل(5).
ب – آيات دالة علىٰ وقوع الرجعة:
– الآية الأولىٰ:
قوله تعالىٰ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَىٰ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ﴾ (البقرة: ٢٤٣).
دلَّت الآية علىٰ وقوع الرجعة وهو يستلزم إمكانها وعدم جواز إنكارها، وفيها دلالة علىٰ وقوعها أيضاً، بضميمة الأحاديث الدالّة علىٰ أنَّ ما وقع في الأُمم السابقة يقع مثله في هذه الأُمَّة.
ذكر الطبرسي في مجمع البيان: (إنَّ هذه الآية حجة علىٰ من أنكر عذاب القبر والرجعة معاً لأنَّ إحياء أولئك مثل إحياء هؤلاء الذين أحياهم الله بالاعتبار)(6).
الآية الثانية:
قوله تعالىٰ: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلىٰ عُرُوشِها قالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلىٰ طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلىٰ حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَىٰ الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِـزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة: ٢٥٩).
فهذه الآية الشريفة صريحة في أنَّ المذكور فيها مات مائة سنة ثمّ أحياه الله وبعثه إلىٰ الدنيا وأحيا حماره، وهذه فيها دلالة الإحياء والرجوع إلىٰ الدنيا بعد الموت(7).
الآية الثالثة:
قوله تعالىٰ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: 1۰٥).
روىٰ علي بن إبراهيم وغيره: (أنَّ المراد بها أخبار الرجعة)(8).
ثانياً: الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) من الأمور العقائدية المهمة التي ذكرها الأئمة (عليهم السلام) وأكَّدوا عليها في رواياتهم هي مسألة الرجعة وأنَّ الله يعيد قوماً بعد موتهم إلىٰ الحياة، ومن هذه الروايات ما يلي:
– الرواية الأولىٰ:
قد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ليس منّا من لم يؤمن برجعتنا»(9).
– الرواية الثانية:
ما ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في تفسير قوله تعالىٰ: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلىٰ مَعادٍ﴾ [القصص: 85]، قال: «يرجع إليكم نبيكم (صلّىٰ الله عليه وآله وسلم)»(10)، وفيها دلالة علىٰ الرجعة.
الرواية الثالثة:
وما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): «ينكر أهل العراق الرجعة»؟ قلت: نعم، قال: «أما يقرؤون القرآن»(11)، ذكر أنَّ هناك أقواماً ينكرون الرجعة.
– الرواية الرابعة:
ما ورد علىٰ لسان مولانا الإمام الرضا (عليه السلام) عن الرجعة وقوعها في الأُمم السالفة حيث ذكر (عليه السلام): «أنَّها لحق قد كانت في الأُمم السالفة وقد نطق بها القرآن الكريم، وقد قال رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله وسلم) يكون في هذه الأُمَّة كل ما كان في الأُمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة»(12).
– الرواية الخامسة:
ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «من أقرَّ بسبعة أشياء فهو مؤمن – وذكر منها – الإيمان بالرجعة»(13)، والذي يدل علىٰ الاعتقاد بالرجعة فقد وردت بالأدعية والزيارات المروية عن الأئمة (عليهم السلام) والتي علَّموا شيعتهم بها، منها:
ما ورد في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) المرويّة في المصباح عن الإمام الصادق (عليه السلام) وفيها: «وأُشهد الله وملائكته وأنبياءه ورسله أنّي بكم مؤمن، وبإيابكم موقن»(14)، والمراد بالإياب: الرجعة.
ومنها: ما ذكره السيد ابن طاووس في فقرات كثيرة في زيارات الإمام القائم (عليه السلام)، وقد ذكر بعضها: «فاجعلني يا رب فيمن يكرُّ في رجعته، ويملك في دولته، ويتمكَّن في أيامه»(15).
ومنها: وروىٰ السيد ابن طاووس بالإسناد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارة النبي والأئمة (عليهم السلام) ومنها: «إنِّي من القائلين بفضلكم، مقر برجعتكم، لا أنكر الله قدرة»(16).
هل الرجعة خاصة أم عامة؟
الجواب: وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) حينما سئل عن الرجعة عامة أم خاصة، قال: «إنَّ الرجعة ليست بعامة، وهي خاصة، لا يرجع إلىٰ الدنيا إلَّا من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً»(17).
ثانياً: أقوال العلماء في الرجعة:
الرجعة عند علماء الشيعة:
الأدلة علىٰ الرجعة، نذكر مجموعة من أقوال العلماء في الرجعة، منها:
– ما ذكره الشيخ المفيد:
(من أنَّه قد اتَّفقت الإمامية علىٰ وجوب رجعة كثير من الأموات إلىٰ الدنيا قبل يوم القيامة، وإن كان بينهم في معنىٰ الرجعة اختلاف)، وذكر أيضاً: (إنَّ الله تعالىٰ يحشر قوماً من أُمَّة محمد (صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم) بعد موتهم، قبل يوم القيامة، وهذا مذهب يختص به آل محمد (صلوات الله عليه وعليهم)، والقرآن شاهد به)(18).
– قال المفيد:
(إنَّ الذي تذهب إليه الشيعة الإمامية، أنَّ الله تعالىٰ يعيد عند ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) قوماً ممن كان تقدَّم موته من شيعته وقوماً من أعدائه)(19).
– ومنها ما ذكره السيد المرتضىٰ:
حيث قال (قدّس سرّه): (إنَّ الذي تذهب إليه الشيعة الإمامية، أنَّ الله تعالىٰ يعيد عند ظهور الإمام المهدي (عجّل الله تعالىٰ فرجه الشريف) قوماً ممن كان قد تقدَّم موته من شيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، ومشاهدة دولته، ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم، فيلتذوا بما يشاهدون من ظهور الحق وعلو كلمة أهله)(20).
– ومنها ما ذكره الشيخ الصدوق: (بأنَّ الذي تذهب إليه الشيعة الإمامية أنَّ الله تعالىٰ يعيد عند ظهور المهدي قوماً ممن كان تقدَّم موته من شيعته وقوماً من أعدائه)(21).
– ومنها ما ذكره العلامة المجلسي حيث قال:
(الرجعة إنَّما هي لممحضي الإيمان من أهل الملّة، وممحضي النفاق منهم، دون من سلف من الأُمم الخالية)(22).
– ومنها ما ذكره الشيخ الطبرسي (قدِّس سرّه) في تفسيره: (إنَّ الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرق إليها التأويل عليها، وإنَّما المعول في ذلك علىٰ إجماع الشيعة الإمامية، وإن كانت الأخبار تعضده وتؤيده)(23).
مَن أول من يرجع إلىٰ الدنيا؟
تشير بعض الروايات إلىٰ أنَّ أول من يرجع إلىٰ الدنيا الإمام الحسين (عليه السلام)، منها:
– روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «أول من تنشق الأرض عنه ويرجع إلىٰ الدنيا الحسين بن علي (عليه السلام)…»(24).
– وعنه أيضاً (عليه السلام): «إنَّ أول من يكر في الرجعة الحسين بن علي (عليه السلام)، ويمكث في الأرض أربعين سنة، حتَّىٰ يسقط حاجباه علىٰ عينيه».
– وعنه أيضاً (عليه السلام) قال عندما سئل: مَن أول من يخرج؟
فقال (عليه السلام): «… الحسين… يخرج علىٰ أثر القائم»(25).
الرجعة عند علماء العامّة:
أنكر علماء العامة الرجعة بدعوىٰ أنَّه لا يمكن للأموات أن يعودوا إلىٰ الحياة في هذه الدنيا قبل يوم القيامة، وقالوا: من قال بالرجعة فقد أدخل في الدين ما هو ليس منه، فالاعتقاد الصحيح عندنا هو القول ببطلان هذا الاعتقاد وفساده وأنَّه لا يرجع رسول الله (صلّىٰ الله عليه [وآله] وسلَّم) ولا أحد من أصحابه يرجع، كما زعم غيرنا إلَّا يوم القيامة، حيث قالوا: إنَّ الله يرجع المؤمنين والكافرين للحساب والجزاء.
(وهناك شبه إجماع من علماء العامة علىٰ إنكار الرجعة ولم يكن لها أثر يذكر سيّما بالمعنىٰ الذي جاء في روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، إلَّا علىٰ سبيل بيان آراء الشيعة أو التشنيع عليهم، ولكنهم نقلوا روايات في رجوع الأموات إلىٰ الحياة الدنيا كما في بعض مصادرهم)(26)، ولم يستنكروها بل عدّوها من المعاجز أو الكرامات، وهذا يعتبر دليل ناقض علىٰ رفضهم للرجعة، ولكن الذي يقرأ كلمات بعض المعارضين لخط أهل البيت (عليهم السلام) في مسألة الرجعة يتصوَّر أنَّ هؤلاء أبعد ما يكون عن تراثهم وخطهم الفكري، ولكن الذي يطَّلع علىٰ تراثهم ويتأمل فيه يجد فيه الكثير من هذه الأخبار والروايات، والتي إن دلَّت علىٰ شيء فإنَّما تدل علىٰ وجود اعتقاد لديهم بجوهر ومضمون فكرة الرجعة، فمن الثابت في كتب التاريخ الإسلامي أنَّ خبر وفاة رسول الله (صلىٰ الله عليه وآله وسلم) لما انتشر بين المسلمين قول عمر بن الخطاب: – مَن لفلانة وفلانة من مدائن الروم – إنَّ رسول الله ليس بميت حتَّىٰ نفتحها، ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسىٰ! وكان يقول أيضاً: إنَّ رسول الله (صلىٰ الله عليه وآله وسلم) ما مات، ولكنه ذهب إلىٰ ربِّه، كما ذهب موسىٰ بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع بعد أن قيل قد مات، والله ليرجعن رسول الله (صلىٰ الله عليه وآله وسلم) فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنَّه قد مات.
وعلىٰ هذا يكون عمر بن الخطاب أوّل من قال بالرجعة في الإسلام، وليس عبد الله بن سبأ الرمز الأسطوري الذي تنسب له كل شناعة في التاريخ الإسلامي.
ومن الجدير بالذكر أنَّ أبا نعيم الأصفهاني في كتابه دلائل النبوة والسيوطي في (الخصائص الكبرىٰ) أفرد باباً في معجزات الرسول (صلىٰ الله عليه وآله وسلم) في إحياء الموتىٰ(27)، وذكر السيوطي كرامات في إحياء الموتىٰ(28) من قبل غير النبي (صلّىٰ الله عليه وآله وسلَّم).
ووصف الحافظ ابن كثير فكرة ابن سبأ هذه بقوله: (كان يهودياً فأظهر الإسلام، وسار إلىٰ مصر، فأوحىٰ إلىٰ طائفة من الناس كلاماً اخترعه من عند نفسه، مضمونه أنَّه يقول للرجل: أليس قد ثبت أنَّ عيسىٰ بن مريم سيعود إلىٰ هذه الدنيا؟ فيقول الرجل: نعم، فيقول له: فرسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله وسلم) أفضل منه، فما تنكر أن يعود إلىٰ هذه الدنيا، وهو أشرف من عيسىٰ بن مريم (عليه السلام)… فافتتن بشرٌ كثير من أهل مصر)(29).
٣ – الرجعة عند النصارىٰ والمسيح:
جاء في رسالة بطرس الأولىٰ أنَّه متىٰ ظهر رئيس الرعاة – يسوع – ينال أتباعه إكليل المجد(30).
وفي رؤىٰ دانيال عن عودة المسيح في المرة الثانية تأكيد علىٰ مبدأ الرجعة وإن كان التركيز علىٰ ما بعدها من أخبار مملكة الرب والرؤية عن كرسي الحساب علىٰ صورة كرسي العرش(31).
ثالثاً: الحكمة الإلهية من الرجعة:
ما يستفاد من الروايات الإسلامية أنَّ الحكمة من الرجعة بأنَّ الطائفة المؤمنة الذين واجهوا الموانع في مسيرة تكاملهم في الحياة ولم يتكاملوا التكامل اللائق، فإنَّ حكمة الله اقتضت أن يتكاملوا عن طريق الرجعة للحياة، حتَّىٰ يساهموا في بناء حكومة العدل الإلهي ومن خلالها القضاء علىٰ المنافقين والمجرمين والطغاة هؤلاء الظلمة، حتَّىٰ ينالوا جزائهم الدنيوي، ولا يتم ذلك إلّا بالرجعة.
رابعاً: ثمرة بحث الرجعة
إنَّ الاعتقاد بالرجعة فيها ثمرة معرفية كمالية وهي تنعكس إيجاباً علىٰ سلوك وسير الإنسان والعلاقة الروحية والمعرفية بالأئمة المعصومين (عليهم السلام).
خامساً: الخاتمة
تطرَّقنا في هذا المقال بشكل موجز لمعنىٰ الرجعة وبيان الفرق بين ظهور إمامنا المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) والرجعة، وبيان الأدلة علىٰ إمكانها ووقوعها واتَّضح من خلال البحث الثمرة المترتبة علىٰ الاعتقاد بالرجعة ومدىٰ تأثيرها علىٰ سير وسلوك الإنسان الموحِّد، منه يتَّضح انتقاء ما يرد من إشكال اللغوية وغيرها من الإشكالات علىٰ الرجعة.
سائلين الله (عزَّ وجلَّ) أن يوفقنا وإياكم إلىٰ كل ما فيه خير وصلاح.
والحمد لله رب العالمين وصلىٰ الله علىٰ خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين.
(1) الصحاح ١٢٦١/٣؛ والقاموس المحيط ٣/٢٨.
(2) لسان العرب لابن منظور: ج٨، ص١١٥.
(3) الإلهيات جعفر السبحاني: ج٢، ص٧٨٨.
(4) مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي: ج١، ص٣٠٠.
(5) تفسير الميزان: ج١٧، ص١١٢.
(6) مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي: ج٢، ص١١٧.
(7) تفسير القمي: ج٢، ص٩٠.
(8) تفسير القمّي: ج2، ص12٦.
(9) الهداية للشيخ الصدوق: ص٢٦٦.
(10) بحار الأنوار: ج53، ص56.
(11) بحار الأنوار: ج٥٣، ص٤٠.
(12) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق: ج١، ص٢١٩.
(13) حق اليقين للسيد عبد الله شبر: ج٢، ص٢٠.
(14) حق اليقين للسيد عبد الله شبر: ج٢، ص١٥.
(15) حق اليقين للسيد عبد الله شبر: ج٢، ص ١٥.
(16) حق اليقين للسيد عبد الله شبر: ج٢، ص١٥.
(17) بحار الأنوار: ج٥٣، ب٢٩، ص٣٩.
(18) بحار الأنوار: ص١٣٦، نقلاً عن المسائل السروية للشيخ المفيد.
(19) انظر: أوائل المقالات – المفيد: ص٧٨.
(20) بحار الأنوار: ج٣٣.
(21) أوائل المقالات للشيخ المفيد: هامش ص152.
(22) بحار الأنوار: ج٥٣، ص٦٣.
(23) مجمع البيان للطبرسي: ج٧، ص٣٦٧.
(24) بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٥٣، ص٦٢.
(25) منتخب الأنوار المضيئة للنيلي: ج١.
(26) الإيضاح للفضل بن شاذان ابن خليل الأزدي: ف٥.
(27) دلائل النبوة لأبي نعيم: ٢٢٣؛ والخصائص الكبرىٰ للسيوطي: ج٢، ص١١٠-١١٤.
(28) أعلام النبوة للماوردي: ص١٤١؛ والشفا: ج١، ص٦١٤.
(29) البداية والنهاية لابن كثير: ج٧، ح١٦٢.
(30) رسالة بطرس الأولىٰ ٤:٥:١٣:١.
(31) دانيال ١٤-٩: ٧.