قال الله تعالىٰ في كتابه الكريم: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيامىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ﴾ (النور: 32).
الآية الكريمة تدل علىٰ استحباب الزواج وتشجِّع عليه، وهي مطلقة من حيث العمر، سواء كان الزوج أو الزوجة كبيراً أم صغيراً، فإذا كانا بالغين فلا إشكال في ذلك، أمّا إذا كانا صغيرين، فيرىٰ بعض علماء المذاهب الأربعة أنَّ العقد علىٰ الصغيرة الغير بالغة جائز، بل ادَّعىٰ ابن المنذر الإجماع علىٰ جواز تزويج الصغيرة من كفء، ويستدلّون علىٰ ذلك بما ورد من زواج النبي (صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم) بعائشة وهي صغيرة، حيث قالت: (تزوَّجني النبي (صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم) وأنا ابنة ست، وبنىٰ بي وأنا ابنة تسع)(1).
تغير الأحكام بتغير موضوعاتها:
تعتقد الشيعة الإمامية أنَّ الأحكام الشرعية ثابتة وغير قابلة للتغيير في الإسلام، كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «حلال محمد حلال أبداً إلىٰ يوم القيامة، وحرام محمد حرام أبداً إلىٰ يوم القيامة…»(2)، فالإمام (عليه السلام) يقول: إن الحكم بالحلية ثابت إلىٰ يوم القيامة مادام الموضوع ثابت ولم يتغيَّر، وهكذا الحكم في الحرمة، ولكنه في بعض الأحيان يتغير الموضوع وبتبعه يتغيَّر الحكم الشرعي.
ومثال ذلك: إذا تحوَّل السائل الخمري إلىٰ الخل، يتغيَّر الحكم من الحرمة إلىٰ الحِلِّية، وكذلك العكس إذا انعكس، وهكذا الأمر بالنسبة إلىٰ الزواج في سن مبكرة، إذ لعله في العصور السابقة كان الزواج في سن مبكرة شائعاً ومقبولاً، حيث كانت الفتيات في سن مبكرة قادرات علىٰ تحمُّل المسؤوليات الجسدية والنفسية، ومع ذلك تطورت معايير النضوج في العصر الحديث، وأصبح نضوج الفتيات ليس بنفس السرعة التي كانت في الماضي، مما يجعل الزواج المبكر أقل ملاءمة في الوقت الحالي، وفي ضوء هذه التغيرات يمكن أن نتوفر علىٰ شروط وضوابط جديدة في الزواج المبكر وعلىٰ ضوئها يتغير الحكم الشرعي بالنسبة للزواج في سن مبكرة.
وعلىٰ أية حال يجب أن يتم الزواج بما يتماشىٰ مع مصلحة الفتاة وسلامتها، مع الأخذ بعين الاعتبار بتغير الموضوع.
رأي الفقهاء في الزواج المبكر والقاصر:
عند مراجعة فتاوىٰ العلماء، نجد أنَّ فتوىٰ المرجعية العليا في النجف الأشرف حدَّدت مسألة الزواج المبكر وزواج القاصرات ولم تسمح لولي الفتاة أن يزوِّجها إلّا وفقاً لمصلحتها، كما ورد ذلك في نص الفتوىٰ: (… وما نريد التأكيد عليه هو أنَّه: ليس لولي الفتاة تزويجها إلّا وفقاً لمصلحتها، ولا مصلحة لها غالباً في الزواج إلّا بعد بلوغها النضج الجسمي والاستعداد النفسي للممارسة الجنسية، كما لا مصلحة لها في الزواج خلافاً للقانون بحيث يعرّضها لتبعات ومشاكل هي في غنىٰ عنها)(3).
وبناءً علىٰ هذه الفتوىٰ، لا يسمح للولي أن يزوِّج الفتاة إلّا مع مصلحتها وهذه المصلحة تتحدَّد ببلوغها النضج الجسمي والاستعداد النفسي للممارسات الجنسية مطلقاً وبكل أنواعها، ولابد أن يكون ذلك وفقاً للقانون وإلّا ستتعرض الفتاة إلىٰ المساءلة القانونية.
وعلىٰ هذا فالمسألة مقيَّدة بالقابليات التي تسمح للفتاة بالزواج من جهات عدَّة وليس علىٰ إطلاقه كما يدَّعي البعض.
نقطتان يجب الالتفات إليهما:
ركَّز الأعلام في هذا الوقت علىٰ زواج القاصرات والزواج في سن مبكرة خصوصاً في التعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية في العراق، وهنا نقطتان يجب الالتفات إليهما:
الأولىٰ: كيفية التعامل مع المسائل الفقهية في العصر الحاضر
عند النظر في بعض المسائل الفقهية، وخاصة المتغيِّرة منها، كتلك المتعلقة بتنظيم شؤون الإنسان والمجتمع في كل عصر، من المهم أن نعتمد علىٰ آراء فقهاء كل عصر بعينه، حيث إنَّ الأحكام قد تتبدَّل بتبدُّل موضوعاتها، ويفتي الفقهاء بالحكم مع مراعاة كل ما يحيط بالموضوع، فربما استجدَّت أمور في عصر معيَّن أحاطت بالموضوع وأثَّرت فيه، وهذه الأمور قد تملي علىٰ الفقيه أن يستنبط حكماً يختلف عن أحكام العلماء السابقين.
وهذا يجري بالنسبة للزواج المبكر وزواج القاصرات، فلابد من الرجوع فيه إلىٰ فقهاء هذا الزمن الحاضر، وقد بيَّنت المرجعية العليا في الفتوىٰ أعلاه شروط وضوابط هذا الزواج.
الثانية: أهداف التركيز الإعلامي علىٰ هذه المسألة في هذا الوقت:
إنَّ إثارة مثل هذه القضايا في هذا الوقت قد تكون محاولة لتشويه صورة الإسلام، رغم وجود قوانين وتشريعات أخرىٰ تسيء إلىٰ كرامة المرأة والطفل حتّىٰ في المجتمعات التي تدَّعي الدفاع عن حقوقهما، فليحذر المؤمنون من هذه الشبهات، ولا يدعوا المروِّجين يتلاعبون بهم.
أسأل الله أن يحفظنا ويهدينا إلىٰ الصراط المستقيم.
ودمتم في رعاية الله وحفظه.
الهوامش:
(1) متفق عليه بين البخاري ومسلم وأحمد / نيل الأوطار: 6/252.
(2) الكافي – الشيخ الكليني: ج1، ص58.
(3) موقع مكتب السيد السيستاني:
https://www.sistani.org/arabic/archive/26347/