المواطنة في نصوص المرجعية العليا – الحلقة الأولىٰ

people harmony

مقدمة

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام علىٰ المبعوث رحمة للعالمين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

نتيجةً للتطوُّر الحاصل في المجتمعات البشرية والمشاكل التي تواجهها، تمس الحاجة في كثير من الأحيان إلىٰ سَن بعض النُظم والقوانين واختراع بعض المفاهيم التي تساهم في حل المشاكل ودرء الأخطار وبيان الحقوق والواجبات.

ومن هذه المفاهيم العامة التي طفت علىٰ الساحة العالمية بشكل عام من شرقه إلىٰ غربه مفهوم المواطنة، والذي يحتوي في طياته علىٰ معانٍ عالية المغزىٰ والفائدة والتي تساهم في تنظيم المجتمعات وتأسيس أُطر العيش بسلام، ومن هنا أخذت الشعوب تنادي به وتطالب بتطبيقه في كثير من مجالات الحياة علىٰ اختلافها، حيث أدركت هذه الشعوب أنَّ هذا المفهوم وما يحتويه يتناغم مع فطرة وحاجة الإنسان في تنظيم حياته والعيش بسلام.

وباعتبار أنَّ المرجعية العليا تُعتبر من الجهات الإسلامية العالمية والتي تهتم بمتابعة المفاهيم التي لها مساس بحياة المواطن والإنسان بشكل عام والمواطن العراقي بشكل خاص، فبعد التغييرات المهمة التي حدثت بعد عام (٢٠٠٣م) وما صدر من المرجعية العليا من فتاوىٰ وبيانات تعلقت بالشأن العراقي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ومن ذلك ما تضمنته فتاواها وبياناتها من تناول آثار المواطنة، اقتضت الحاجة دراسة تلك الفتاوىٰ في شأن المواطنة من أجل الوصول إلىٰ نظر المرجعية العليا في المواطنة.

منهجة البحث:

نتناول في بحثنا هذا أربعة مطالب:

الأول: تعريف المواطنة.

الثاني: الأسس الشرعية والقانونية لآثار المواطنة.

الثالث: الأسس الشرعية التي استندت إليها المرجعية العليا في تأسيس المواطنة والدعوة إليها.

الرابع: سعي المرجعية العليا عمليا لتطبيق آثار المواطنة في العراق.

المطلب الأول: تعريف المواطنة:

تعريفها لغةً:

لم تتناول الكتب اللغوية مفردة المواطنة بعنوانها لأنَّها من المفردات المستحدثة، ولكن هذه المفردة لما كانت علىٰ زنة مفاعلة وهي مأخوذة من مادة وطن أو موطن، فهي تدل علىٰ نحو مفاعلة بين الإنسان ووطنه الذي يسكنه.

وهذه المفاعلة تظهر في بُعدين:

الأول: الشعور بالانتماء والإحساس بالارتباط بالوطن.

الثاني: الواجبات والحقوق المتبادلة في الوطن.

ويظهر مما تقدَّم أن لفظ المواطنة وإن لم يكن موجوداً في القواميس اللغوية بعينه، ولكنه موجود بمادته وصيغته فيها.

تعريفها اصطلاحاً:

عرفتها لجنة الأُمم المتحدة (الاسكوا): (بأنَّها الرابطة القانونية الخاصة التي تربط بين الفرد وبلده)(1).

وعرَّفتها دائرة المعارف البريطانية بأنَّها: (علاقة بين فرد ودولة كما يحدّدها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقات من واجبات وحقوق في تلك الدولة)(2).

وقد عرَّفتها موسوعة كولير الأمريكية: (بأنَّها أكثر أشكال العضوية في جماعة سياسية اكتمالاً، فالمواطن يُدين بالولاء والطاعة لدولته وله حقوق وعليه واجبات ومسؤوليات لا يشاركه فيها غيره)(3).

ملاحظتان علىٰ التعريف الاصطلاحي:

الأولىٰ:

إنَّ التعريفين الأخيرين ذكرا مفردة – الدولة – والمراد منها الأرض، والحكومة، والشعب، ونتيجة لهذه الأطراف الثلاثة تتكوَّن ثلاث علاقات هي:

١ – علاقة المواطن بالأرض.

٢ – علاقة المواطنين فيما بينهم.

٣ – علاقة المواطن بالحكومة.

ولكن التعريف الأول ذكر مفردة – البلد – فإمّا أن يراد منه الدولة فيتَّفق مع التعريفين الثاني والثالث، وإمّا أن يراد به المساحة الجغرافية التي يعيش عليها الشعب، وعليه سيكون هناك قصور في تعريف الأُمم المتحدة للمواطنة، لأنَّه لا يشمل علاقة المواطنين فيما بينهم وعلاقته بالحكومة.

الثانية:

تعدَّدت تعريفات المواطنة وذلك نتيجة للتطوُّر الحاصل في مفهوم المواطنة الأُفقي والعمودي فأصبح يشمل الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية وغيرها، وتاريخ الأُمم والظروف التي مرَّت بها شاهد علىٰ ذلك التغير والتطور المستمر.

ونتيجة لاختلاف آثار هذا المفهوم، اختلفت التعريفات وتعددت، ولذا بحسب تقديري وتتبعي فإنَّه من الصعب بمكان الوقوف علىٰ تعريف جامع وثابت ناظر إلىٰ كل هذه الآثار، ولذا كانت تعريفات المواطنة متعدِّدة وكل منها ناظر إلىٰ جانب معين.

انتهت الحلقة الأولىٰ

 

 

 

الهوامش:


(1) موقع منظمة الاسكوا التابعة للأُمم المتحدة.

(2) يراجع كتاب المواطنة /العتبة العباسية المقدسة /المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية.

(3) يراجع بحث مفهوم المواطنة والأُسس التي تقوم عليها في ألمانيا ومصر دراسة مقارنة، للباحثة نهلة محمد مصطفىٰ، مجلة المستقبل العربي العدد ٢٦٤.

Scroll to Top