عندما تضيع البوصلة ويلتبس الأمر علىٰ الناس خصوصاً في الظروف الحرجة حتّىٰ تصل الحالة إلىٰ الفوضىٰ والرجوع إلىٰ القهقري فلابد من وجود منقذ ومخلص وإلّا يؤول الأمر إلىٰ الضياع والهلاك.
وهذا ما حدث للشريعة الإسلامية المقدسة بعد وفاة رسول الله (صلىٰ الله عليه وآله) حيث انقلبت الأُمَّة ورجعت إلىٰ الوراء، قال تعالىٰ: ﴿وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُـرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾ (آل عمران: ١٤٤).
وعندها أصبحت المسألة خاضعة للعشيرة والقبيلة والآراء وتم تعيين الخليفة وفق هذه الاصطفافات، ومن هنا بدأت حالة الفوضىٰ في المجتمع الإسلامي وعدم الوضوح في الرؤية حيث إنَّ مَن رشَّحهم الناس في تلك الفترة لم يكونوا مؤهَّلين لقيادة الإسلام والمسلمين خصوصاً في زمن الخليفة الثالث وبعد إبعاد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن الخلافة، ووصلت الأمور إلىٰ أوجها من الانحراف في زمن الخلافة الأموية والعباسية حيث تركت أحكام الإسلام الحنيف وانكفأ البلاط والناس إلىٰ الرقص والمجون والغناء والمحرمات.
ونتيجة لهذه الظروف كان من الضروري وجود القطب والبوصلة الذي ينجي الناس ويقودهم إلىٰ بر الأمان ويصحح المسار وهم أهل البيت (عليهم السلام) ومن هنا جاء قول رسول الله (صلىٰ الله عليه وآله) لأبي ذر (رضي الله عنه): «واعلم يا أباذر أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) جعل أهل بيتي في أُمَّتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلَّف عنها غرق»(1).
لذا تصدىٰ أهل البيت (عليهم السلام) لهذه المهمة الإلهية بعد رسول الله (صلىٰ الله عليه وآله) ابتداء من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلىٰ الإمام المهدي (عجَّل الله تعالىٰ فرجه).
فكان عدل علي (عليه السلام) وشجاعته، وصلح الإمام الحسن (عليه السلام)، وعبادة الإمام السجاد (عليه السلام)، وعلم الإمامين الصادقين (عليهما السلام)، وصبر الإمامين الكاظمين (عليهما السلام)، وجهاد الإمام الرضا (عليه السلام) بالكلمة والحجة ومقارعة المذاهب الباطلة، وحفظ الإمامة عند الإمامين العسكريين (عليهما السلام) وغيبة الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه)، كلّها وظائف وأدوار لتصحيح المسار، وإعادة الأمور إلىٰ نصابها، وكانت شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) من أعظم ما قدمه أهل البيت في سبيل إعادة الأمل والحياة إلىٰ الإسلام حيث أطلق الإمام الحسين (عليه السلام) صرخته ضد الظلم والفساد والانحراف فقال (عليه السلام): «إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله»(2).
وقيل له يوم الطف: أنزل علىٰ حكم بني عمك، فقال (عليه السلام): «لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد»(3).
فكانت نتائجها وخيمة علىٰ الحكومة الأموية حيث انكشف الزيف وسقطت الأقنعة الأموية واندلعت الثورات وانقلب المسلمون علىٰ الأمويين وزالت العروش، وانتصر الإمام الحسين (عليه السلام) فقد رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنَّهُ قَالَ: «لَـمَّا قَدِمَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ وَقَدْ قُتِلَ الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ، اسْتَقْبَلَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ وَقَالَ: يَا عَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ، مَنْ غَلَبَ – وَهُوَ يُغَطِّي رَأْسَهُ وَ هُوَ فِي المَحْمِلِ -؟
قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ مَنْ غَلَبَ وَ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَأَذِّنْ ثُمَّ َأقِمْ»(4).
أي أن الإسلام انتصر ودليله الأذان والإقامة والصلاة.
ولازال الإمام الحسين (عليه السلام) حياً يهز عروش الظالمين وهو ينادي في كربلاء «هل من ناصر ينصرنا».
نداء دائم ومدوي ومستمر لتصحيح المسار والعودة إلىٰ الله.
(1) درر الأخبار من بحار الأنوار – سيد مهدي حجازي: 528.
(2) البحار: 44: 324.
(3) إرشاد المفيد: 2: 98.
(4) أمالي الطوسي: 677.