تفسير آيات الأحكام عند الإمامية الاثني عشرية

الائمة الاثنا عشر

قال تعالىٰ: ﴿وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ (النحل: 89).

المقدمة:

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام علىٰ خير خلقهِ وأشرف بريَّته سيدنا ومولانا ونبينا محمد المصطفىٰ خاتم الرسل وسيد المرسلين، وعلىٰ آله الأئمة المعصومين المنتجبين أئمة الهدىٰ وسبل الرشاد.

فإنَّه من المعلوم من الدين بالضرورة أنَّ مستند الأحكام الشرعية هو القرآن الكريم وهو المصدر الأول للتشريع الإسلامي والسنة الشريفة، والإجماع والعقل.

ولما كان القرآن الكريم أساس هذه المصادر وعمودها، كان الاشتغال بتفسيره واستنباط الأحكام منه من أخطر العلوم وأجلّها، ذلك أنَّه يوضّح مراد الله من عباده في الأحكام التي تعبّدهم بها.

وفي هذا البحث حاولت التحدُّث بشكل موجزعن بعض نماذج تفسير آيات الأحكام عند الإمامية والمناهج التي كانوا يتبعوها في تأليف كتبهم.

تعريف آيات الأحكام وعلم آيات الأحكام:

وهنا لابد من التعريف بآيات الأحكام وعلم آيات الأحكام أمَّا آيات الأحكام فهي:

اصطلاحاً: الآيات القرآنية التي ورد فيها حكم فقهي(1).

وأمَّا علم آيات الأحكام فهو علم يختص بآيات الأحكام من القرآن، ويدرس نوع الأحكام التي يمكن استخراجها بعد المقارنة لجميع الأدلة الشرعية الأخرىٰ من سُنَّة، وإجماع، وعقل(2).

التفسير الفقهي:

سأسلِّط الضوء في هذا البحث علىٰ التفسير الفقهي والذي بواسطته يمكن الوصول إلىٰ الحكم الشرعي في آيات الأحكام والمقصود من التفسير الفقهي المركب من (التفسير والفقه)، حيث قيل في تعريف التفسير أنَّه: (علم يفهم به كتاب الله المنزل علىٰ نبيِّه الكريم، وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه)(3)، أمَّا الفقه فهو العلم بالأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية(4).

وقد ذكر في كتاب (دروس في المناهج والاتِّجاهات التفسيرية للقرآن) بياناً لمسألة التفسير الفقهي حيث قال: [يتحرَّك فيها فقهاء الشيعة الإمامية علىٰ أساس مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ويفسرون آيات الأحكام بالاستفادة من الروايات الواردة عن النبي الأكرم (صلىٰ الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الأطهار بالإضافة إلىٰ القرائن العقلية والنقلية الأخرىٰ](5).

ولقد ذكر الراوندي في كتابه فقه القرآن كيفية الترتيب في كتب آيات الأحكام عند الإمامية حيث قال: [فمصنفات أصحابنا في آيات الأحكام مرتَّبة علىٰ نهج الكتب الفقهية حيث تبدأ من كتاب الطهارة وتنتهي بالديات، وتصنف الآيات بحسب أبوابها الفقهية ويبحث عن ذلك الباب وذلك تسهيلاً للمراجع واستقصاءً لكل ما يخصه من آيات](6).

نموذج علىٰ ذلك:

قال تعالىٰ: ﴿إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ (المائدة: 33).

حيث تذكر الآية تارة تحت عنوان (حرمة الإفساد في الأرض) لدلالتها علىٰ ذلك، وأخرىٰ تحت عنوان (حدِّ المفسدة) لتعرُّضها إلىٰ ذلك، وثالثة تحت عنوان (التهجير في الإسلام) لكونه أحد أفراد حدِّ الإفساد(7).

ثم نجمع الآيات المرتبطة بموضوع واحد في مورد واحد ولا يلحظ ترتيب وجودها الفعلي في المصحف الشريف ثم نقيسها إلىٰ السُنَّة الشريفة والأدلة الأخرىٰ وبعدها نستخرج الحكم الشرعي.

نماذج من الكتب الفقهية عند الإمامية:

(كتاب كنز العرفان):

لقد ألَّف العلماء والباحثون من الإمامية مؤلَّفات ومصنَّفات كثيرة في آيات الأحكام قديماً وحديثاً، لكن لم نجد لأحدهم من الشهرة والتنافس في أخذه ونسخه وبحثه والتطلُّع إليه مثل ما حَظيّ هذا السِفر العظيم الذي صنفه الفاضل الفقيه والمجتهد الورع والمحقق النبيه أنَّه الشيخ جمال الدين أبو عبد الله المقداد بن عبد الله السيوري المعروف بالفاضل السيوري والفاضل المقداد وما ذلك إلَّا لفضله وبيانه القاهر وفوائده العامة واشتهر صيته (المؤلِف والمؤلَف) بين العام والخاص وصار متداولاً بين الفضلاء والعلماء(8).

منهجه في الكتاب:

(يتعرَّض هذا التفسير لآيات الأحكام فقط وهو لا يتماشىٰ مع القرآن سورة سورة علىٰ حسب ترتيب المصحف ذاكراً ما في كل سورة من آيات الأحكام كما فعل الجصاص وابن العربي مثلاً، بل طريقته في تفسيره هي:

أنَّه يعقد أبواباً كأبواب الفقه ويدرج في كل باب منها الآيات التي تدخل تحت موضوع واحد، فمثلاً يقول: باب الطهارة ثم يذكر ما ورد في الطهارة من الآيات القرآنية شارحاً كل آية منها علىٰ حدة، مبيِّناً ما فيها من أحكام علىٰ حسب ما يذهب إليه الإمامية الاثنا عشرية في فروعهم، مع تعرضه للمذاهب الأخرىٰ وردِّه علىٰ من يخالف ما يذهب إليه الإمامية الاثنا عشرية)(9).

[هذا… وأنَّ طريقته التي يسلكها في تدعيم مذهبه وترويجه وإبطال مذهب مخالفيه لا تخرج عن أمرين اثنين هما:

– الدليل العقلي.

– دعوىٰ أنَّ ما ذكره هو ما ذهب إليه أهل البيت (عليهم السلام)](10).

كتاب فقه القرآن:

لمؤلِّفه قطب الدين أبو الحسين سعيد بن عبد الله بن هبة الله الراوندي ت (573هـ) كان فاضلاً عالماً جامعاً لأنواع العلوم، له مؤلفات ومصنفات عديدة منها هذا الكتاب (فقه القرآن).

منهجه في الكتاب:

في هذا الكتاب كان شديد التأثُّر بآراء شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي (460هـ) في كتابه (الانتصار في انفرادات الإمامية)، كما امتاز في هذا الكتاب بأنَّه حاول الجمع بين الآراء وخاصةً التفسيرية منها التي يظهر عليها الاختلاف فيوجِد السبيل ليوفق بينهما وكذا تميز بما جمعه من مسائل الخلاف بين المذاهب والتي وجدت العناية الكافية لعرضها علىٰ طاولة النقاش وللاستدلال عليها فربما نجد فصولاً عديدة في مسألة واحدة يتحدَّث عنها في كل فصل ثم يرجع في فصل آخر ليتكلَّم فيها من زاوية تختلف عن الزاوية التي تكلَّم عنها مسبقاً.

الخاتمة:

1 – إنَّ هناك طريقة خاصة في تفسير آيات الأحكام.

2 – هناك كتب متعددة اهتمَّت بتفسير آيات الأحكام عند الإمامية.

3 – إنَّ المفسِّر الفقيه الإمامي كان منهجه في تفسير آيات الأحكام لم يكن حسب ترتيب المصحف الشريف وإنَّما علىٰ الأبواب الفقهية.

4 – لابد في تفسير آيات الأحكام من نسبتها إلىٰ الأدلة الأخرىٰ.

المصادر:

القرآن الكريم.

1 – مدخل إلىٰ فقه القرآن: حيدر حب الله، د.ط.

2 – التفسير والمفسرون: الشيخ محمد هادي معرفة، ط2، قم، 1425هـ.

3 – التفسير الفقهي النشأة والخصائص: د. مولاي عمر بن حماد، بحث مقدم إلىٰ كلية الآداب – المحمدية.

4 – الفهرست: محمد بن إسحاق النديم، د.ط، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

5 – فقه القرآن عند الشيعة: محمد فاكر الميبدي، ط1، 1428هـ، طهران، المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية.

6 – فقه القرآن للراوندي: قطب الدين الراوندي، ط1، 1437هـ، مركز نور الأنوار، طهران.

7 – دروس تمهيدية في تفسير آيات الأحكام من القرآن: الشيخ آية الله محمد باقر الايرواني، ط1، 1425هـ، دار الأولياء، بيروت.

8 – دروس في المناهج والاتِّجاهات التفسيرية للقرآن: محمد علي رضائي، ط2، 1431هـ، مركز المصطفىٰ العالمي للترجمة والنشر، قم.

9 – كنز العرفان: المقداد بن عبد الله السيوري، د.ط، المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية، طهران.

 

 

 

الهوامش:


(1) الموسوعة الفقهية الميسرة – الشيخ محمد علي الأنصاري: ج1، ص131.

(2) علوم القرآن: السيد محمد باقر الحكيم (قدس سرّه): ص209.

(3) دروس تمهيدية في تفسير آيات الأحكام من القرآن – الشيخ محمد باقر الايرواني: ج1، ص25-26.

(4) القواعد والفوائد – الشهيد الأول: 1/30.

(5)  دروس في المناهج والاتِّجاهات التفسيرية للقرآن – محمد علي رضائي: 266.

(6)  فقه القرآن – قطب الدين الراوندي: 1/15.

(7) دروس تمهيدية في تفسير آيات الأحكام من القرآن – محمد باقر الايرواني: ج1، ص26-27.

(8) ينظر: كنز العرفان في فقه القرآن – الفاضل المقداد السيوري: ج1، ص15.

(9) المصدر نفسه: ج1، ص16.

(10) فقه القرآن – قطب الدين الراوندي: ج1، ص63.

Edit Template
Scroll to Top