الإمامة من أصول الدين

الامامة

مقدمة:

الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصلاة والسلام علىٰ خير خلقه أجمعين محمد المصطفىٰ وآله الطيبين الطاهرين.

تعد الإمامة من أخطر المباحث الإسلامية العقدية لما لها من أهمية وتأثير مباشر علىٰ الفرد والمجتمع المسلم، وقد كثرت الآراء واختلفت في كون الإمامة أصل من أصول الدين، بين منكر ومثبت، وتعدَّدت الآراء فيها وتشعَّب الكلام، وكان من أبرز الآراء:

1 – إن الإمامة من أصول الدين.

2 – إن الإمامة ليست من أصول الدين، وإنما من أصول المذهب.

3 – إن الإمامة ليست من أصول الدين ولا من أصول المذهب، إنَّما هي من مسائل الفقه ولعله قول شاذ، وكونه أقرب للاحتمال، وعند تعدُّد الآراء والمباني، لابد من تعدُّد الآثار والثمرات المترتبة علىٰ تلك الآراء علىٰ المستوىٰ النظري والعملي، كما سيتَّضح من خلال البحث إن شاء الله.

وسيكون الكلام في تمهيد وعدَّة مطالب وخاتمة.

تمهيد: في بيان معنىٰ أصول الدين في لغة واصطلاحاً:

أمَّا أصول الدين لغة: (الأصول جمع ومفردها أصل، ومعناه في اللغة: أساس الشيء)(1).

وعرفها البعض بتعريف يرادف سابقه بأنَّها: (ما يبتني عليه غيره)(2)، وكلا التعريفين يتلاءم والمراد من أصول الدين اصطلاحاً.

وأمّا اصطلاحاً: يمكن تعريفها بحسب ما توصلنا إليه: بأنَّها مجموعة من الاعتقادات التي تشكل محاور وأُسس للمعتقدات الإسلامية والتي لابد للمسلم من الاعتقاد بها، بما لها من آثار علىٰ سلوك الفرد والمجتمع في مجالات مختلفة.

وعرَّفها البعض فقال: (فأمّا أصول الدين فهي المبادئ والأُسس التحتية لفكر الإنسان وسلوكه العقائدي والفكري في مختلف المسائل الفقهية والسياسية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وما إليها في الإسلام)(3).

مقارنة بين التعريفين: قد يظهر في النظرة الأولية عدم الفرق بين التعريفين، لكن عند التأمل يتَّضح كون ما اخترناه من التعريف أكثر دقة، لما في تعريف البعض من مسامحة في التعبير، لا سيما في عبارة المبادئ والأُسس التحتية لفكر الإنسان وسلوكه العقائدي والفكري… فتأمل.

بعد هذا الموجز من بيان المراد من أصول الدين نتعرَّض لعدَّة مطالب وبنحو الإيجاز:

المطلب الأول: بيان مفهوم الإمامة في لغة واصطلاحاً:

أمَّا الإمامة في اللغة: (مصدر من الفعل (أَم) تقول: أمَّهم أمَّ بهم: تقدمهم، وهي الإمامة، الإمام: ما ائتم به من رئيس أو غيره، فيفعل أهله وأمته كما يفعل، أي يقصدون لما يقصد، وأصل (أم) يدل علىٰ القصد)(4).

أمَّا في الاصطلاح فإنَّ مفهوم الإمامة له معنىٰ خاص عند مذهب أهل الحق من الشيعة يختلف في الجملة عن معناه عند أبناء العامة، وعلىٰ كلا المعنيين تترتَّب ثمرات مهمة علىٰ المستوين النظري والعملي.

الإمامة عند الشيعة:

* عرَّفها العلامة الحلي – أعلىٰ الله مقامه – بأنَّها: (رئاسة عامة في الدين والدنيا لشخص من الأشخاص)(5).

* وعرَّفها القاضي نور الله المرعشي التستري بأنَّها: (منصب إلهي حائز لجميع الشؤون الكريمة والفضائل، إلَّا النبوة وما يلازم تلك المرتبة السامية)(6).

مقارنة بين التعريفين والمختار منهما: يظهر من تعريف العلامة الحلي – أعلىٰ الله مقامه – بأنَّه أعطىٰ صفات الإمام من الرئاسة وكونه من أشخاص الأُمَّة، وهذا لا يكفي في بيان ماهية الإمامة مع ما لها من أهمية وخطورة في حياة المسلم ومماته، فكان بحاجة لذكر وبيان أنَّ الإمامة هي منصب إلهي، يختص به شخص من الأشخاص، كما أشار إلىٰ ذلك القاضي نور الله التستري – أعلىٰ الله مقامه -.

وعليه يمكن تعريف الإمامة بأنَّها: منصب إلهي يختص به مجموعة من الأشخاص، علىٰ نحو الاستحقاق لما لديهم من خصائص ومؤهِّلات نفسية وجسمانية، تكون كرامتهم ورئاستهم وفضائلهم بنحو الفعلية، وقد يزيدهم الله من فضله بالهبة والمنَّة بما يناسب شأنيَّتهم، ودليلنا قوله تعالىٰ: ﴿وَإِذِ ابْتَلىٰ إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: 124) ومنه يتَّضح أنَّ الإمامة بما هي عهد من الله (عزَّ وجلَّ) ينال بعض الناس دون بعض فتكون منصباً منه – سبحانه وتعالىٰ – وأيضاً يظهر من الآية الكريمة أنَّ الإمامة فعل من أفعال الله (جلَّ ثناؤه)، ومنه يتَّضح كون الإمامة من مباحث أصل التوحيد ومن صفات الفعل(7).

قال العلامة الطبطبائي – أعلىٰ الله مقامه – في تفسير قوله تعالىٰ: ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾: إنَّها عهد وعهده تعالىٰ لا ينال الظالمين(8).

الإمامة عند أبناء العامة:

* عرفها القاضي عبد الرحمن الإيجي بكونها: (خلافة الرسول في إقامة الدين بحيث يجب طاعته علىٰ كافة الأُمَّة)(9).

* وعرَّفها ابن خلدون: خلافة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا(10)، ومنه يتَّضح أنَّ أبناء العامة ابتعدوا عند تعريف الأمانة عن ذكر كونها منصب إلهي، بل يستفاد من تعريفاتهم أنَّ أي شخص يستطيع تولّي مهام الإمام وإن أخذها بالحيلة أو القهر أو الوراثة أو غيرها، وهذا ما يتنافىٰ مع القرآن الكريم وتصريح الآية السابقة الذكر، سيما عند ملاحظة المباني العقدية عندهم في مسألة الخلافة، فتأمل.

المطلب الثاني: بيان أصول الدين وعددها:

وقع الخلاف في بيان أصول الدين وعددها وكان هناك عدَّة أقوال:

القول الأوَّل: هما أصلان لا غير (التوحيد والنبوة الخاصة للنبي الأكرم (صلّىٰ الله عليه وآله))(11).

القول الثاني: إنَّ أصول الدين ثلاثة وهي (التوحيد والنبوة والمعاد)(12).

القول الثالث: كونها خمسة وهي (التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد)(13).

القول الرابع: الأصل للدين واحد وهو التوحيد، وهو القول الأصح وعليه تترتَّب ثمرات جليلة(14).

الثمرات المترتِّبة علىٰ تعدُّد الأقوال في عدد أصول الدين: نتيجة تعدُّد الأقوال في كون الإمامة من أصول الدين أو المذهب أو من المسائل الفقهية، كما أشرنا في المقدمة، تكمن عدَّة ثمرات علمية وعملية، تترتَّب بحسب المبنىٰ في كل قول، يمكن إدراجها في عدَّة نقاط:

أوَّلاً: علىٰ القول بأنَّ الإمامة أصل من أصول الدين – علىٰ القول بتعدُّد أصول الدين – يلزم منه الخروج من دائرة الإسلام لمن أنكر الإمامة، مع ترتُّب الآثار العملية بالتعامل معه من عدم زواج ودفن في مقابر المسلمين وغيرها.

ثانياً: علىٰ القول بأنَّ الإمامة ليست من أصول الدين وإنَّما من أصول المذهب، يلزم منه عدم الخروج من دائرة الإسلام لمن أنكر الإمامة، بل يبقىٰ مسلماً، وإنَّما يكون خارج عن دائرة المذهب فقط.

ثالثاً: علىٰ القول بأنَّ الإمامة ليست من أصول الدين أو أصول المذهب، وإنَّما هي من مسائل الفقه، يلزم منه عدم الخروج عن دائرة الإسلام أو المذهب لمن أنكر الإمامة بل يكون عاصياً في بعض موارد من موارد الفقه.

المطلب الثالث: الرأي المختار ودليله والثمرة المترتِّبة عليه:

نقول إنَّ البحث في أصول الدين يستدعي البحث في إثبات وجود الصانع وصفاته، وهذا ما يُعبر عنه بالتوحيد، ومنه يتَّضح أنَّ للدين أصل واحد وهو التوحيد، أمَّا العدل فهو من صفات الباري.

وإن عدَّه بعض علماءنا من أصول الدين والبعض الآخر عدَّه من أصول المذهب، فلأهميته وتمييزاً لاعتقادنا بالعدل الإلهي.

أمَّا النبوة والإمامة والمعاد فهي من أفعال الله (عزَّ وجلَّ) فتندرج في صفات الفعل له، والدليل علىٰ المدَّعىٰ في كون النبوة من أفعال الله – تبارك وتعالىٰ – قوله تعالىٰ: ﴿وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ (الإسراء: 15).

والدليل علىٰ كون الإمامة أيضاً من أفعال الله (عزَّ وجلَّ) قوله تعالىٰ: ﴿وَإِذِ ابْتَلىٰ إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: 124)، ومن الواضح كون الإمامة مكمِّلة لدور النبوة ومترتِّبة عليها، فتكون من أفعال الباري (جلَّ ثناؤه).

أمَّا المعاد فكونه من أفعال الله (عزَّ وجلَّ) فمن الواضحات والآيات القرآنية الدالة عليه كثيرة جداً كقوله تعالىٰ: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ وغيرها من الآيات.

الثمرة المترتِّبة علىٰ القول المختار: بعد ما أثبتنا بالدليل العقلي والقرآن الكريم أنَّ للدين أصلاً واحداً وهو التوحيد بشقيه من إثبات وجود الله الصانع للكون وصفاته، وكون العدل والنبوة والإمامة والمعاد من صفات الأفعال له (عزَّ وجلَّ) نقول إنَّ الإمامة من مباحث أصل الدين بلحاظ صفات الفعل لله (عزَّ وجلَّ) ولا يترتَّب علىٰ من أنكرها الخروج من دائرة الإسلام، وإنَّما الخروج من دائرة المذهب إلَّا إذا لزم من أنكارها أنكار النبوة فيلزم الخروج عن دائرة الإسلام(15).

الخاتمة:

إنَّ البحث في إثبات أنَّ للدين أصلاً واحداً ليس من الترف الفكري وإنما لما له من أهمية وثمرة عملية وعلمية، ومنه اتَّضح كون الإمامة من مباحث أصل الدين بلحاظ مبحث صفات الفعل للباري (جلَّ شأنه) وبه تترتَّب عدَّة ثمرات في غاية الأهمية:

الثمرة الأولىٰ: كون المنكر للإمامة لا يكون خارجاً عن دائرة الإسلام، بل يحكم بإسلامه وله ما للمسلم وعليه ما عليه، وإنَّما يكون خارجاً عن دائرة المذهب الحق إلَّا إذا لزم من إنكارها إنكار النبوة الخروج عن دائرة الإسلام.

الثمرة الثانية: بعد إثبات كون الإمامة من مباحث أصل الدين وبلحاظ صفات الفعل لله (عزَّ وجلَّ) وقد ثبت في محله من كون الله – سبحانه وتعالىٰ – متَّصف بالحكمة وأفعاله معلله بالغايات فيترتَّب علىٰ هذا اندفاع الأعم الأغلب من الشبهات والإشكالات المطروحة حول الإمامة، قد لا يتَّسع المقام للخوض فيها في هذا الموجز، مع وضوحها للمتطلع المتأمل في تلك المباحث.

الثمرة الثالثة: يكون الإلزام بالإمامة أبلغ وأكثر حجية علىٰ من أنكرها، بعد بيان كونها فعل من أفعال الله تعالىٰ، فنسبتها إلىٰ الله لا إلىٰ المذهب الحق يكون أبلغ وأتم للحجة.

الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم علىٰ خير خلقه محمد المصطفىٰ وآله الطيبين الطاهرين.

 

 

الهوامش:


(1) عبد القادر عطا صوفي – المفيد في مهمات التوحيد: ص13؛ نقلاً عن معجم مقاييس اللغة لابن فارس: ج1، ص109؛ والمعجم الوسيط لمجموعة من المؤلفين: ص20.

(2) نفس المصدر، عن كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي: ج1، ص122 – 123.

(3) محمد جعفر الأستر آبادي – البراهين القاطعة: ج1، ص70، نسخة محفوظة 22 ديسمبر2017، موقع واي مشين. باك.

(4) انظر مقايس اللغة لابن فارس: ج1، ص21؛ والتفسير البسيط للواحدي: ج3، ص292.

(5) العلامة الحلي – مناهج اليقين في أصول الدين: ص439، المنهج الثامن في الإمامة، المبحث الأول.

(6) التستري، نور الله المرعشي – إحقاق الحق وإزهاق الباطل: ج2، ص300، هامش رقم1.

(7) تعبيرنا بأصول الدين فيه مسامحة، كما سيتضح بأن للدين أصل واحد.

(8) الطباطبائي، محمد حسين – الميزان في تفسير القرآن: ج1، ص276.

(9) الإيجي – المواقف: ص395، المرصد الرابع في الإمامة، المقصد الأول.

(10) ابن خلدون – مقدمة ابن خلدون: ج1، ص366، فصل25، اختلاف الأُمة في حكم المنصب وشروطه.

(11) الترحيني، محمد حسين – الأحكام في علم الكلام: ص7.

(12) الميرزا القمي – أصول الدين: ص5.

(13) ما عليه مشهور المتكلمين.

(14) وهو ظاهر ما اختاره سماحة السيد الأستاذ أحمد الأشكوري K، وهو القول الأصح كما سيتضح.

(15) إنَّ مصطلح أصول الدين لم يرد في آية أو رواية بهذا النحو من التسمية، وإنما كان الذكر بلسان الأمر بالإيمان بالله الواحد والنبوة والولاية وغيرها من المعتقدات، ومصطلح أصول الدين من مبتدعات العلماء من مذهب الحق من الشيعة وأبناء العامة.

Edit Template
Scroll to Top