الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام علىٰ أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.
كثيراً ما يتداول في الأوساط المجتمعية مسألة الزواج الثاني فترفضه الزوجة الأولىٰ وتراه أزمة أُسرية، وفي المقابل هناك من يقول إنَّه خطوة صحيحة نحو حل بعض المشاكل الأُسرية وغيرها، فهل أنَّ تعدد الزوجات مشكلة أم حل لمشكلة؟
ونريد أن نتناول هذه المسألة ونبحثها في عدَّة نقاط:
أولاً: الزواج في القرآن والسنة الشريفة.
ثانياً: النقاط الإيجابية والسلبية في الزواج الثاني.
ثالثاً: دور الشريعة الإسلامية في علاج بعض العقبات التي يواجهها الزواج الثاني.
رابعاً: ما هو دور المجتمع في هذا الزواج؟
خامساً: ما هو دور الدولة والأُسرة ورجال الدين والإعلام؟
سادساً: ما هي النصائح التي يجب أن يعرفها المتزوِّج ثانية؟
سابعاً: ما هي النصائح التي يجب أن تعرفها الزوجة الأولىٰ والثانية والأُسرة؟
ثامناً: ما هو رأي الأديان في تعدد الزوجات؟
أولاً: الزواج في الكتاب الكريم
اهتمَّ القرآن الكريم والسنة الشريفة بالزواج، فهناك الكثير من الآيات المباركة والروايات الشريفة بيَّنت حدوده وشروطه وأموراً أخرىٰ، ومن هذه الآيات:
قوله تعالىٰ:
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامىٰ فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنىٰ وَثُلاثَ وَرُباعَ﴾ (النساء: ٣).
ومنها قوله تعالىٰ:
﴿يا أَيـُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً﴾ (النساء: ١).
ومنها قوله تعالىٰ:
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها﴾ (الأعراف: ١٨٩).
ومنها قوله تعالىٰ:
﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: ٢١).
ومنها قوله تعالىٰ:
﴿هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ﴾ (البقرة: ١٨٧).
ومنها قوله تعالىٰ:
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها﴾ (النساء: ٣٥).
ومنها قوله تعالىٰ:
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامىٰ فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنىٰ وَثُلاثَ وَرُباعَ﴾ (النساء: ٣).
وهناك الكثير من الأحاديث الشريفة أكدت علىٰ أهمية الزواج، منها:
قول الرسول الأعظم (صلّىٰ الله عليه وآله وسلم): «تناكحوا تناسلوا إني أُباهي بكم الأُمم يوم القيامة حتَّىٰ السقط»(1).
ومنها قوله (صلّىٰ الله عليه وآله وسلم): «ما بني الإسلام بناءً أحب إلىٰ الله (عزَّ وجلَّ) من التزويج»(2).
ومنها قوله (صلّىٰ الله عليه وآله وسلم): «من ترك التزويج مخافةً العيلة فليس منا»(3).
ومنها عن الإمام الرضا (عليه السلام): «وإن خطب إليك رجل رضيت دينه وخلقه فزوِّجه ولا يمنعك فقره وفاقته»(4)، [قال الله تعالىٰ]: ﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾(5).
ومنها ما عن الإمام الحسن (عليه السلام) حيث قال لرجل استشاره في تزويج ابنته: «زوِّجها من رجل تقي فإنَّه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها»(6).
ثانياً: النقاط الإيجابية والسلبية في تعدد الزوجات
أولاً: النقاط الإيجابية
منها حل المشكلة الاجتماعية: أحد أهم الأمور الإيجابية في الزواج الثاني هي حل المشاكل الاجتماعية كما لا يخفىٰ علىٰ كل من له المعرفة، ومن هذه المشاكل:
إنَّ نسبة النساء في المجتمع ازدادت بنسبة كبيرة حيث إنَّ بعض النساء اللواتي يمر بهن العمر ولا يتزوَّجن أو الأرامل والمطلقات فضلاً عن عزوف الشباب عن الزواج لأسباب قد تكون بعيدة عن الشريعة المقدسة، وفي المقابل انخفضت نسبة الرجال لعدَّة أسباب، منها الحروب وغيرها.
وهذا بحدِّ ذاته يولِّد لنا مشكلة لابد من الانتباه لها ووضع الحلول العاجلة لمعالجتها وإلَّا سوف تعاني بسببها المجتمعات البشرية.
ومنها حل المشكلة الاقتصادية: حيث إنَّ المرأة بطبيعتها تحتاج إلىٰ موارد مالية كثيرة في الملبس والمأكل والتجميل والدراسة وغيرها، فإذا لم يكن هناك زوج يوفر لها وكانت أبواب الطرق الصحيحة مغلقة بوجهها، فبطبيعة الحال ستتَّخذ طريقاً آخر للوصول إلىٰ الاستقرار الاقتصادي سواء كان شرعياً أم غير شرعي، وهذا بحدِّ ذاته يؤدي إلىٰ الانحلال والانحطاط الاجتماعي والأخلاقي.
ومنها الاستقرار الذهني والنفسي، بل الروحي للطرفين، وخصوصاً المرأة عندما تشعر بمن يعينها علىٰ متطلبات الحياة الصعبة، فعن أبي الحسن (عليه السلام): «إنَّ النفس إذا أحرزت قوتها استقرت»(7).
ومنها: إشباع الغريزة الجنسية للطرفين بالطرق الشرعية، وقد اهتمَّت الشريعة المقدسة اهتماماً كبيراً بهذا الجانب لأجل أن ينعم الإنسان بالسكينة والاستقرار(8).
ومنها: أنَّ بعض الرجال لا تستقر حالتهم النفسية مع الزوجة الأولىٰ بسبب عدم شعور الزوجة الأولىٰ بزوجها، لعدَّة عوامل منها:
العامل الأول: كثرة العمل داخل المنزل وترتيب أمور الأُسرة خصوصاً الأُسر الكبيرة، وهذا يثقل كاهلها فلا تلتفت إلىٰ زوجها.
العامل الثاني: كثرة المشاكل الأُسرية من بعض الزوجات الأولىٰ بسبب عدم معرفتها الكافية في ما يريده الزوج.
وخصوصاً إذا كانت ثقافتها العلمية متدنية، فهذا مما يدفع الزوج إلىٰ التشوش الفكري، فالزواج الثاني أو تعدُّد الزوجات له دور مهم في حلحلة بعض المشاكل الأُسرية.
ومنها: أنَّ الزواج الثاني يساهم في حل مسألة عدم الإنجاب بالنسبة للزوجة الأولىٰ أو قلة الإنجاب وبعض الأزواج تراه لا يكتفي بالقليل من الأولاد لسبب أو آخر أو عدم قدرة الزوجة لتربية الأولاد بسبب انشغالها مثلاً بعمل خارج الدار.
ومنها: أنَّ الزواج الثاني يمثل تجربة حياتية للطرفين وبناء عائلة جديدة ربما بعيداً عن سلبيات الزواج الأول.
خاتمة هذه الحلقة:
بمتابعة الآيات القرآنية والسنة النبوية نرىٰ وبشكل واضح اهتماماً كبيراً بالزواج بشكل عام وهناك آثار إيجابية من الزواج الثاني علىٰ المجتمع وعلىٰ الشخص الإنساني بشكل خاص فلابد والحال هذه من الاهتمام بهذه المسألة وتذليل كل العقبات في سبيله.
(1) المحجة البيضاء: ج3، ص53.
(2) البحار: ج40، ص222.
(3) كنز العمال: ج6، ص444.
(4) كنز العمال: ج6، ص444.
(5) البحار: ج103، ص372.
(6) مكارم الأخلاق: 446.
(7) الكافي: ج5، ص89.
(8) يراجع وسائل الشيعة: ج20، ص105-110.