عوامل الانتصار في ثورة أبي الأحرار (عليه السلام)

عوامل الانتصار في ثورة ابي الاحرار

مقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علىٰ أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

باتت الإدارة ورسم الخطط واستغلال العوامل المتاحة أموراً ضرورية لنجاح كل عمل ومشروع خصوصاً المشاريع والثورات الإلهية، ومن هنا استغل الإمام الحسين (عليه السلام) في ثورة كربلاء كل الظروف والعوامل التي تؤدي إلىٰ نجاح وانتصار مشروعه الإصلاحي ولو بعد حين، وكان (عليه السلام) يحرص أن تكون هذه العوامل طبيعية لا غيبية حتَّىٰ تتحقق النتائج المرجوة من هذه الثورة العظيمة في أرض الواقع، وهو الذي حصل فعلاً، ونحاول هنا ذكر بعض الظروف والعوامل التي اعتمد عليها (عليه السلام):

١ – وضوح الأهداف عند الإمام الحسين (عليه السلام) حيث كان يصرّح بذلك في رسائله وبشكل دقيق، فعن حمزة بن حمران، قال: ذكرنا خروج الحسين (عليه السلام) وتخلف ابن الحنفية، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا حمزة إني سأخبرك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك هذا، إنَّ الحسين لمّا فصل متوجهاً، دعا بقرطاس وكتب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي بن أبي طالب إلىٰ بني هاشم، أمّا بعد فإنَّه من لحق بي منكم استشهد، ومن تخلَّف لم يبلغ مبلغ الفتح والسلام»(1).

٢ – صلابة الموقف ووضوحه أمام الطغاة منذ اللحظة الأولىٰ للثورة، فقد وقف (عليه السلام) أمام والي يزيد في المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ومروان بن عبد الملك عندما طلبا البيعة منه ليزيد فقال (عليه السلام): «إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجلٌ فاسق شاربُ الخمر، قاتل النفس المحرَّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أيّنا أحق بالبيعة والخلافة» ثم خرج (عليه السلام)(2).

واستمر موقفه (عليه السلام) هذا حتَّىٰ استشهاده في كربلاء.

٣ – البلاغ وإلقاء الحجة علىٰ الناس، فكان (عليه السلام) ومنذ انطلاقة الثورة وفي كل مكان ينزل فيه إلىٰ ساعة استشهاده يدعو الناس بخطبه وبياناته إلىٰ الحق ونصرته ونبذ الباطل ويحذرهم من غضب الجبار والركون إلىٰ الظلمة، وهذه وظيفة إلهية كان يقوم بها الأنبياء والأوصياء قبله (عليه السلام).

٤ – قيادة وإدارة الإمام الحسين (عليه السلام) لثورته بصورة مباشرة وفعلية معنوياً وأخلاقياً وجهادياً، وهذا عنصر مهم استلهم منه أصحابه وأهل بيته دافعاً قوياً للجهاد في سبيل الله.

٥ – كان الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء منبعاً للمثل والقيم، فلم يفرِّق بين أصحابه وأهل بيته وبين الأسود والأبيض وبين السيد والعبد، وقد سقىٰ جيش أعدائه ماء، وكان يدعو إلىٰ السلم إلىٰ آخر لحظة قبل بدء الحرب، ولم يقبل أن يبدأ أصحابه الحرب، وغيرها من المبادئ السامية التي انتهجها (عليه السلام).

٦ – الزمان: وهو عامل مهم جداً في كل الأحداث، فقد خرج الإمام الحسين (عليه السلام) من المدينة مع عائلته فجراً لم يره أحد، ربما حرصاً منه علىٰ أن لا يرىٰ شخص بنات رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله وسلم) وخوف القتل، وكذلك بقي في مكة المكرمة إلىٰ موسم الحج حيث التقىٰ بوفود الحجاج معلناً ثورته أمام الناس، حتَّىٰ تنتشر ثورته في أرجاء الأرض ويسمع بها القاصي والداني، وكذلك خرج من مكة يوم التروية حرصاً منه ألّا يُقتل فتنتهك حرمة الكعبة وتضيع ثورة كربلاء، وكذلك تأجيله للقتال إلىٰ يوم العاشر من المحرم حتَّىٰ يناجي ربَّه ويعبده في تلك الليلة، ويكون القتال نهاراً حتَّىٰ لا تضيع تضحياته (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه ليلاً ولكي يطلع العالم علىٰ كذب وخداع بني أُمية وغطرستهم وحقدهم علىٰ الإسلام وأهل البيت (عليهم السلام).

٧ – المكان: حيث استغل الإمام (عليه السلام) وجوده في مكة المكرمة لإعلان ثورته وهو مكان اجتماع الناس للحج، وكذلك اختياره كربلاء مكاناً لوقوع المعركة والاستشهاد.

٨ – أخذه لإخوانه وأخواته ونسائه وأبنائه وبناته حتَّىٰ الأطفال جميعاً إلىٰ كربلاء ليشاركوه في ثورته، ويجري عليهم ما يجري عليه، وهذا دليل علىٰ حقانية ثورته (عليه السلام) كما صنع جده رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله وسلم) في المباهلة حيث جاء بعلي والزهراء والحسنين (عليهم السلام) وهي علامة علىٰ حقانية دعوته، ولذا امتنع النصارىٰ عن المباهلة مخافة أن ينالهم العذاب.

٩ – كان معه إخوانه وأبناؤه والأصحاب الذين شاركوه في الجهاد واستشهدوا معه في سبيل الله والذين يتميزون بأرقىٰ صفات العقيدة والإخلاص والشجاعة وحب أهل البيت (عليهم السلام) وغيرها من الصفات، وبعض الأصحاب كانت لديهم خصائص متميزة كصحبة رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله)، والمكانة الاجتماعية، والدينية، والعلمية، كزهير بن القين، وحبيب بن مظاهر الأسدي، ومسلم بن عوسجة، وبرير بن خضير (رضوان الله عليهم) وغيرهم، وقد وابتلاهم ومحَّصهم وأعطاهم الإذن في تركه، ولكنهم لم يتركوه فلمس منهم العقيدة الحقة والإخلاص التام لله تعالىٰ وله (عليه السلام)، والتفاني والجهاد في سبيل الله.

١٠ – اختياره للسفراء والرُسل الذين يمثِّلونه وممن تتوفَّر فيهم خصائص عالية من الإخلاص والإدارة والتقوىٰ والجهاد في سبيل الله كمسلم بن عقيل (عليه السلام) سفيره إلىٰ الكوفة، ورسوله إلىٰ الكوفة قيس بن مسهر الصيداوي، ورسوله إلىٰ البصرة سليمان بن رزين.

١١ – كان (عليه السلام) يذكِّر الناس دائماً بأنه الوحيد علىٰ وجه الأرض المنتسب إلىٰ رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله) وبطرق مختلفة، فتارة يذكر نسبه الشريف إلىٰ رسول الله (صلىٰ الله عليه وآله)، وتارة يرتدي ملابس جدّه رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله) كعمامته وبردته، وتارة يستعمل سيفه ويركب خيله، وهذا فيه دليل علىٰ شرعية ثورة الإمام (عليه السلام) وأن الطرف المقابل وهو الجيش الأموي يقابل تلك الشرعية ولا يرتبط أبداً برسول الله (صلىٰ الله عليه وآله).

١٢ – أوكل قيادة ثورته والركب الحسيني في السبي من بعده إلىٰ من كان مؤهلاً لهذه المهمة وهما ولده الإمام السجاد (عليه السلام) وأخته العقيلة زينب الكبرىٰ (عليها السلام) حتَّىٰ يقوما بنشر ثورته وتبقىٰ متَّقدة لا تطفأ، ولكي يرىٰ العالم كيف تصنع بنو أمية بعائلة رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله).

وقبل كل ذلك كان (عليه السلام) صابراً محتسباً متوكِّلاً علىٰ الله سبحانه حيث قال عندما تجمَّع عليه الأعداء يوم الطف: «اللَهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي‌ فِي‌ كُلِّ كَرْبٍ؛ وَأَنْتَ رَجَائِي‌ فِي‌ كُلِّ شِدَّةٍ؛ وَأَنْتَ لِي‌ فِي‌ كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِي‌ ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ، كَمْ مِنْ هَمٍّ يَضْعُفُ فِيهِ الْفُؤَادُ، وَتَقِلُّ فِيهِ الْحِيلَةُ، وَيَخْذُلُ فِيهِ الصَّدِيقُ، وَيَشْمَتُ فِيهِ الْعَدُوُّ؛ أَنْزَلْتُهُ بِكَ، وَشَكَوْتُهُ إلَيْكَ، رَغْبَةً مِنِّي‌ إلَيْكَ عَمَّنْ سِوَاكَ؛ فَفَرَّجْتَهُ عَنِّي‌، وَكَشَفْتَهُ، وَكَفَيْتَهُ، فَأَنْتَ وَليّ كُلِّ نِعْمَةٍ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ، وَمُنْتَهَىٰ‌ كُلِّ رَغْبَةٍ»(3).

ونتيجة لكل ذلك وغيره نرىٰ اليوم وبكل وضوح كيف انتصر الإمام الحسين (عليه السلام) ومنذ سقوط أول قطرة دم مقدسة منه في أرض كربلاء إلىٰ يومنا هذا.

فها هم أحرار العالم يسيرون علىٰ خطىٰ الإمام الحسين (عليه السلام) وثورته، ويدعون إليه ويستلهمون مبادئه وقيمه، وينبذون كل تطرف وفكر دخيل علىٰ الإسلام.

 

 

 

الهوامش:


(1) بحار الأنوار – العلامة المجلسي: ج٤٤، ص٣٣٠.

(2) بحار الأنوار – العلامة المجلسي: ج٤٤، ص٣٢٥ .

(3) الإرشاد – الشيخ المفيد: ج٢، ص٩٦.

Edit Template
Scroll to Top