المنهج الأخباري في تفسير القرآن الكريم

المقدمة:

يُعدّ التفسير أحد أبرز مجالات إنتاج المعرفة الدينية عند المسلمين، وقد تنوَّعت اتِّجاهاته بتنوَّع المدارس العقدية والحديثية، وكان من أبرزها الاتِّجاه الأخباري، الذي انبثق في سياق التشيع الإمامي، وتبلور بوصفه منهجاً مستقلاً في تفسير القرآن، يعتمد علىٰ الأخبار والروايات المأثورة عن النبي (صلَّىٰ الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام)، ويرفض الاجتهاد العقلي والتفسير بالرأي.

يسعىٰ هذا المقال إلىٰ بيان خصائص المنهج الأخباري في تفسير القرآن، من حيث أصوله المنهجية، ومصادره التفسيرية، وموقفه من العقل، وأثره في الحقل التفسيري، مع الوقوف علىٰ أبرز نماذجه في التراث الإمامي، ومنها الخلاف بين الأصولي والأخباري في حجّية ظاهر القرآن والذي نعتقد أنَّه ليس خلافاً جزئياً، بل هو خلاف منهجي جذري، يمسّ طبيعة فهم الدين نفسه، وقد أثَّر هذا الخلاف في مناهج التفسير، وفي العلاقة بين القرآن والرواية، وفي حدود الاستنباط الشرعي.

ورغم أنَّ الاتِّجاه الأصولي هو السائد في يومنا هذا، فإنَّ الحاجة إلىٰ تحليل هذا الخلاف لا تزال قائمة، لما فيه من أثر في رسم مستقبل فهم النص القرآني ضمن الفكر الإمامي.

لذلك سوف نبحث في:

أولاً: مفهوم ظاهر القرآن وحدوده

ثانياً: حجج الأصوليين علىٰ القول بحجية الظاهر.

ثالثاً: موقف الاتِّجاه الأخباري من ذلك وأدلتهم.

رابعاً: مناقشة أدلة الأخباريين.

خامساً: المنهج الفكري والمرتكزات العامة للمنهج الأخباري.

سادساً: النتائج والخاتمة.

لذلك نحتاج إلىٰ الوقوف أولاً علىٰ هذا الخلاف – الخلاف بين الأصولي والأخباري في حجية الظاهر القرآني – كي نستكشف من خلاله المنهج الأخباري في تفسير القرآن الكريم من أجل ذلك نسعىٰ إلىٰ بيان حقيقة هذا الخلاف، وجذوره المنهجية، وآثاره المعرفية، مع الوقوف علىٰ حجج كل طرف ومناقشتها، بشكل يتناسب مع وقت وفهم القارئ الكريم، وقبل ذلك لابد من ذكر أهم الأسباب التي دعتني إلىٰ كتابة هذا البحث والتي يمكن إجمالها بما يأتي:

1 – الحاجة إلىٰ فهم أعمق للمنهج الأخباري: حيث جاء هذا البحث استجابة للحاجة العلمية في تسليط الضوء علىٰ المنهج الأخباري في تفسير القرآن الكريم، بوصفه أحد الاتجاهات التفسيرية المؤثرة داخل الفكر الإمامي، والذي لم يُدرس بشكل معمّق في كثير من البحوث الحديثة.

2 – إبراز الجذور المنهجية للخلاف بين الأصوليين والأخباريين: تمثّل قضية حجّية ظاهر القرآن نقطة خلاف مركزية بين المدرستين، وهي ليست خلافاً جزئياً، بل تعكس اختلافاً في الرؤية الدينية والمعرفية، مما استدعىٰ دراسة هذا الخلاف بتفصيل وتحليل.

3 – محاولة فهم العلاقة بين القرآن والرواية في الفكر الإمامي: لأنَّ هناك الكثير من الإشكالات التفسيرية تدور حول هذه العلاقة، والمنهج الأخباري يقدّم نموذجاً متميزاً في هذا السياق يستحق التحليل والنقد.

4 – إبراز أثر هذا المنهج علىٰ الواقع التفسيري: ما يزال التفسير الأخباري حاضراً في بعض المؤسسات الحوزوية والدراسات التفسيرية، مما يبرّر إعادة النظر فيه لتقييم مدىٰ توافقه مع متطلبات الفهم القرآني المعاصر.

5 – تحقيق التوازن بين النقل والعقل في التفسير: وذلك من خلال بيان حدود النص، ودور المعصوم، وإمكانات العقل في التفسير، بما يُسهم في إثراء منهجية فهم النص القرآني.

أولاً: مفهوم (ظاهر القرآن) وحدوده:

المراد بظاهر القرآن: المعنىٰ العرفي الذي يتبادر إلىٰ الذهن من اللفظ القرآني بحسب قواعد اللغة والعقل السليم، دون حاجة إلىٰ قرينة خارجية.

والفرق بين ظاهر القرآن عند الأصوليين والأخباريين هو:

* أمَّا عند الأصوليين فالظاهر القرآني حجّة شرعية ما لم يدل دليل علىٰ خلافه.

* وأمّا عند الأخباريين فالظاهر القرآني ليس حجّة، بل هو مظنّة للخطأ والضلال، ولا يُركن إليه إلَّا عبر رواية معصومة تُبيّنه.

ثانياً: حجج الأصوليين علىٰ حجّية الظواهر:

استند الأصوليون إلىٰ جملة من الأدلة علىٰ حجية الظاهر القرآني نذكر منها:

  1. السيرة العقلائية: حيث إنَّ العقلاء يحتجون بالظاهر في تعاملهم، والشارع لم يردع عن ذلك(1).
  2. القرآن نفسه أمر بالتدبُّر: كقوله تعالىٰ: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ (النساء: 82)، وهو دليل علىٰ أنَّ ظاهر القرآن يُفهم ويُحتج به(2).
  3. الروايات التي أمرت بعرض الحديث علىٰ القرآن: كحديث (ما خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الحائط)، مما يدل علىٰ مرجعية القرآن وظاهره في قبول أو رد الحديث(3).

لذلك جعل الأصوليون القرآن ظاهراً حاكماً علىٰ الرواية لا محكوماً بها.

ثالثاً: موقف الاتجاه الأخباري من ذلك وأدلتهم:

يرىٰ الأخباريون أنَّ القرآن لا يُفهم إلَّا من خلال تفسير المعصوم، وأنَّ الظواهر قد تكون مشتبهة أو منسوخة أو مخصوصة أو مؤولة، مما يجعل الاعتماد عليها خطراً ومن أبرز أدلتهم:

  1. الروايات التي تنهىٰ عن التفسير بالرأي: مثل (من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)(4).
  2. ادِّعاء أنَّ في القرآن ناسخاً ومنسوخاً، ومحكماً ومتشابهاً، وهذا لا يُعرف إلَّا من خلال الرواية(5).
  3. وجود روايات تفسر الآية علىٰ خلاف ظاهرها، مما يدل علىٰ أنَّ الظاهر ليس مراداً دائماً(6).

مثال ذلك: قوله تعالىٰ: ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا…﴾ (المائدة: 55)، فسّرتها الروايات(7) بالولاية الخاصة لعلي (عليه السلام) رغم أنَّ ظاهرها لا يُفيد هذا المعنىٰ مباشرة.

رابعاً: مناقشة أدلة الأخباريين:

1 – روايات النهي عن التفسير بالرأي:

تقريب الدليل:

استُدل بروايات عديدة تنهىٰ عن تفسير القرآن بالرأي، كقوله: «من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار». وهذا يدل – بحسب المستدل – علىٰ أنَّ التفسير بما يظهر من ظاهر الآية إذا لم يكن مستنداً إلىٰ الروايات فهو مذموم، وبالتالي لا حجية لظاهر القرآن.

مناقشة الدليل:

أولاً: التفصيل في معنىٰ (الرأي):

العديد من الأصوليين فرَّقوا بين (الرأي) بمعنىٰ الهوىٰ الشخصي أو الظن غير العلمي، وبين التفسير المستند إلىٰ قواعد اللغة والعرف، فالنهي منصب علىٰ التفسير بالرأي الشخصي المخالف لمقتضىٰ اللغة أو الثابت بالقرائن، لا التفسير الظاهري العقلاني(8).

ثانياً: الجواب بمحدودية مورد الروايات:

قيل: إنَّ هذه الروايات ناظرة إلىٰ زمان خاص حيث كان الناس يخلطون بين المعاني اللغوية وبين التأويلات الباطنية بلا علم. وبالتالي، لا إطلاق لها ليشمل مطلق التفسير حتَّىٰ القائم علىٰ الظواهر(9).

2 – دعوىٰ وجود ناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه:

تقريب الدليل:

قيل: إنَّ وجود هذه الأقسام في القرآن يجعل من الخطر الاعتماد علىٰ ظاهر الآيات، إذ قد يكون الظاهر منسوخاً أو متشابهاً أو غير مراد، فلا طريق إلىٰ الاعتماد عليه بدون الرجوع إلىٰ الروايات.

مناقشة الدليل:

أ – حصر المنسوخ:

رد العلماء بأنَّ النسخ في القرآن محدود، ويمكن تشخيصه إمَّا بالروايات أو بالقرائن، فلا يسوغ رفع اليد عن جميع الظواهر من باب احتمال النسخ(10).

ب – التفريق بين المحكم والمتشابه لا يقدح في حجية الظواهر:

لأنَّ المتشابه قسم خاص، ويمكن تمييزه من المحكم، أمَّا المحكم فهو الأصل في الاستدلال. والقرآن نفسه يدعو إلىٰ اتِّباع المحكم كما في: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ…﴾ (آل عمران: 7)(11).

ج – لا ملازمة بين وجود المتشابه وعدم حجية الظواهر:

المتشابه لا يمنع من حجية الظواهر في المحكمات، بل هو استثناء يُفهم بقرائن. والظاهر المحكم حجة ما لم يدل دليل علىٰ خلافه(12).

3 – وجود روايات تفسر الآيات علىٰ خلاف ظاهرها.

تقريب الدليل:

بعض الروايات فسّرت الآيات بما هو خلاف الظاهر، كالروايات التي فسّرت الماء في قوله تعالىٰ بالعلم: ﴿وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ (الأنبياء: 30)، وغيرها. وهذا يدل علىٰ أن المراد من الآيات ليس ظاهرها المتبادر منها عرفاً.

مناقشة الدليل:

أ – حمل هذه الروايات علىٰ الباطن أو الجري:

قال العلماء: إنَّ هذه الروايات ليست من قبيل التفسير الاصطلاحي، بل هي من باب الباطن أو الجري والمصداق، لا أنها بيان للمراد الجدي من ظاهر الآية(13).

ب – الروايات علىٰ فرض تفسيرها مخالفة للظاهر، فهي من باب الاستثناء لا القاعدة، وحتَّىٰ لو كانت بعض الروايات تفسّر علىٰ خلاف الظاهر، فهذا لا يوجب رفع اليد عن القاعدة العامة في حجية الظواهر، بل تُعد موارد استثنائية(14).

خلاصة المناقشة:

* الرأي الأصولي أقرب إلىٰ المراد الجدي في فهم الشريعة والعقلانية في التعامل مع النص، إذ لا يعقل أن ينزل الله كتاباً لا يُفهم ظاهره، ولا يُحتج به.

* الرأي الأخباري ناتج عن الخشية من الخطأ في التأويل، لكنه يُفضي إلىٰ تعطيل القرآن عن الهداية العامة، ويحصره في طبقة خاصة من الأفراد.

ولهذا، يرىٰ البعض أنَّ الموقف الأخباري يُقارب مفهوم الباطنية الدينية الذي يربط المعرفة بشخص المعصوم فقط، في حين أنَّ الاتِّجاه الأصولي يُبقي الباب مفتوحاً للتدبر والتفكر ضمن الضوابط الشرعية.

فإن قلت: ليس كل من الأخباري والأصولي يرجع إلىٰ نفس المصادر الروائية في فهم الآيات القرآنية فما هو الفرق بينهم في ذلك.

قلت: إنَّما يكون الفرق في:

1 – منطلقات التعامل مع الرواية:

* أمَّا الأخباري فإنَّه يرىٰ أنَّ جميع روايات الكتب الأربعة (الكافي، التهذيب، الاستبصار، من لا يحضره الفقيه) صحيحة، ويجب الأخذ بها مهما كان السند، ما دامت غير معارضة وموجودة في هذه الكتب. فهو يعتمد مبدأ (الوثوق الإجمالي) بصحة مضامين هذه الروايات.

* وأمَّا الأصولي فإنَّه لا يقبل الرواية إلَّا بعد التثبُّت من سندها، ويعتمد القواعد الرجالية والضوابط العقلية والأصولية لقبول الروايات. فالأصولي يرىٰ أنَّ العمل بالرواية يجب أن يُبنىٰ علىٰ حجيتها، إمَّا بالوثوق الشخصي أو بالسند الصحيح أو بقرائن تعطي حجية.

2 – في العلاقة بين ظاهر القرآن والرواية:

* أمَّا الأخباري فقال إنَّه لا يجوّز العمل بظاهر القرآن إلَّا بعد عرضه علىٰ الروايات. فيرىٰ أنَّ الرواية هي المفسِّر والميزان، حتَّىٰ في الآيات الواضحة. بل يرىٰ أنَّ ظاهر القرآن قد يكون مضلِّلاً من دون الروايات.

* وأمَّا الأصولي فإنَّه يرىٰ أنَّ ظاهر القرآن حجة بنفسه ما لم تقم قرينة أو رواية علىٰ خلافه. ويقبل الروايات التي تفسر القرآن ما دامت معتبرة أو منسجمة مع القواعد العقلائية.

3 – في المنهج الاستنباطي:

* أمَّا الأخباري فإنَّه يرفض الاجتهاد، والأصول العملية، والعقل كمصدر للاستنباط، ويُقصي كل ما لا نص فيه، لذا يرىٰ أنَّ التفسير والتشريع يجب أن يُبنىٰ فقط علىٰ الرواية.

* وأمَّا الأصولي فإنَّه يوظف العقل، والأصول العملية، والقواعد العامة لاستنباط الأحكام الشرعية، ما دام الطريق إلىٰ ذلك منضبطاً ومبنياً علىٰ مقدمات عقلائية.

خامساً: المنهج الفكري والمرتكزات العامة للمنهج الأخباري:

مما تقدَّم يمكن لنا أن نفهم المنهج الأخباري في تفسير القرآن من خلال:

1 – تعريف المنهج الأخباري ومرتكزاته العامة:

المنهج الأخباري هو اتِّجاه فكري في داخل المدرسة الإمامية ظهر بوضوح في القرن الحادي عشر الهجري، وكان يركِّز علىٰ الاعتماد الحصري علىٰ الروايات الواردة عن أهل البيت في فهم الدين، ورفض كل أشكال الاستنباط العقلي أو الاجتهاد، خاصة في التفسير.

وقد تأسس هذا المنهج علىٰ جملة من المرتكزات وهي:

* إن القرآن لا يُفهم إلَّا من خلال حديث المعصوم.

* إنَّ الأحاديث التفسيرية التي وردت عن أهل البيت تمثل البيان الواقعي للقرآن.

* إنَّ الرأي الشخصي والعقلي في تفسير القرآن بدعة وضلال.

ومن هنا، فإنَّ المنهج الأخباري كان يُعارض المدرسة الأصولية الإمامية التي تميل إلىٰ توظيف العقل والأصول الفقهية في فهم النصوص.

2 – مصادر التفسير عند الأخباريين:

يرتكز التفسير الأخباري علىٰ الكتب الحديثية التي جمعت الروايات عن أهل البيت، ومن أهمها:

* الكليني، الكافي.

* الصدوق، من لا يحضره الفقيه.

* الطوسي، التهذيب والاستبصار.

* البرقي، المحاسن.

* الصفار، بصائر الدرجات.

وفي المجال التفسيري، يعتمدون بشكل رئيس علىٰ:

* تفسير العياشي.

* تفسير القمي.

* نور الثقلين لعبد علىٰ الحويزي (قرن 11هـ).

* البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني (ت 1107هـ)، ويعد هذا الكتاب أوضح نموذج للمنهج الأخباري الخالص في التفسير، حيث جمع فيه الروايات دون أي تعليق أو تحليل.

3 – موقف الأخباريين من التفسير العقلي والاجتهاد بالرأي:

من أبرز سمات الأخباريين رفضهم الشديد للتفسير بالرأي. ويستندون إلىٰ:

* أحاديث تنهىٰ عن التفسير بالرأي، مثل: «من فسَّر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار»(15).

* رؤية تقضي بأنَّ العقل قاصر عن إدراك معاني القرآن، وأنَّ البيان القرآني لا يدرك إلَّا بتعليم المعصوم.

وبالتالي، فإنَّ الأخباري لا يُفسّر، بل ينقل الرواية ويعتبرها هي التفسير ذاته. وهذا ما جعل النص التفسيري الأخباري أقرب إلىٰ الجمع الروائي منه إلىٰ العمل التفسيري بالمعنىٰ التحليلي.

4 – أثر المنهج الأخباري في ساحة التفسير:

رغم أنَّ الأخباريين لم يشكّلوا التيار الغالب علىٰ امتداد التاريخ الإمامي، إلَّا أنَّ تأثيرهم كان كبيراً في بعض المراحل، خاصة في العصور الصفوية وما بعدها، حيث انتشرت كتبهم وأثروا في المدارس التفسيرية التالية.

ومن مظاهر هذا الأثر:

* شيوع التفسير الروائي في الأوساط الحوزوية.

* ضعف النشاط التأويلي العقلي في بعض البيئات العلمية.

* استمرار حضور كتب التفسير الأخباري في المناهج الدراسية والبحثية.

وهذا مما يولد مخاطر عديدة منها:

1 – في الأُمَّة بشكل عام:

* جمود النصوص:

المنهج الأخباري يفضي إلىٰ جمود فكري؛ لأنَّه يحصر الفهم الديني بما هو موجود في الروايات، ويمنع الاجتهاد الذي يواكب المستجدات.

* انغلاق باب الاجتهاد:

مما يؤدي إلىٰ عجز في التعاطي مع الوقائع الجديدة التي لم تُنَصّ في الروايات، ويحوّل الدين إلىٰ منظومة مغلقة.

* تضخيم ظاهرة التناقض بين الروايات:

الأخبارية لا تُخضع الروايات لنقد السند ولا للعرض علىٰ القرآن أو العقل، ما يسبب تبني أحاديث ضعيفة أو حتَّىٰ موضوعة.

2 – في تفسير القرآن بشكل خاص:

* تعطيل ظاهر القرآن:

الأخباري يرىٰ أنَّ ظاهر القرآن ليس بحجة، وهذا يؤدِّي عملياً إلىٰ تعطيل النص القرآني كمصدر مستقل للمعرفة الدينية.

* تحويل التفسير إلىٰ نقل صِرف:

يصبح التفسير عبارة عن جمع الروايات، من دون تمييز بين ما هو تفسير حقيقي، وبين ما هو تأويل أو جري.

* إغلاق باب التفاعل العقلي مع النص:

المنهج الأخباري لا يُفسح المجال لاجتهاد المفسر، ولا لتأملات العقلاء في النص القرآني، مع أنَّ الله أنزله بلغة الناس وطلب منهم التدبُّر فيه، غير أنَّ التيار الأصولي – لاحقاً – بقي محافظاً علىٰ موقعه، مما خلق توازناً بين القراءتين.

سادساً: النتائج والخاتمة:

النتائج التي توصّلت إليها والتي يمكن اجمالها بما يأتي:

1 – المنهج الأخباري يقوم علىٰ مركزية الرواية: يعتمد اعتماداً كلياً علىٰ الأخبار الواردة عن المعصومين في تفسير القرآن، ويرفض أي تدخل عقلي أو اجتهادي، مما يجعله أقرب إلىٰ الجمع الروائي منه إلىٰ التفسير التحليلي.

2 – الخلاف بين الأصوليين والأخباريين جوهري: لا يقتصر علىٰ التفاصيل أو الأساليب، بل يمسّ بنية التفكير الديني في ما يخصّ مرجعية النصوص وحدود الفهم، ويؤثر بشكل مباشر علىٰ المناهج التفسيرية والاستنباطية.

3 – المنهج الأخباري، رغم انحساره، ما يزال مؤثراً: سواء من خلال حضوره في بعض المدارس الحوزوية أو من خلال استمرار تداوله في الكتب التفسيرية التقليدية، مما يفرض الحاجة إلىٰ تحليله ونقده بدل تجاهله.

4 – موقف الأخباريين من ظاهر القرآن يقود إلىٰ تعطيل فاعلية النص: رفضهم لحجّية الظواهر يجعل النص القرآني رهين التفسير الروائي الحصري، وهو ما يتنافىٰ مع روح الشريعة في جعل القرآن هادياً ومفهوماً لعامة الناس.

5 – المنهج الأصولي أكثر انفتاحاً علىٰ العقل وروح النص: إذ يمنح مساحة للاجتهاد والتدبر ضمن الضوابط الشرعية، وهو ما يجعله أكثر قدرة علىٰ التفاعل مع الواقع المتجدِّد وتحديات الفهم الديني للواقع.

6 – ضرورة إعادة النظر في المناهج التفسيرية: للخروج من الجمود وتجاوز الاقتصار علىٰ الرواية، وإفساح المجال أمام الفهم العقلاني المتزن للقرآن، بما ينسجم مع مسيرة العقل الشيعي وثرائه التاريخي.

الخاتمة:

 يمكن القول: إن المنهج الأخباري في التفسير مثّل تياراً تقليدياً محافظاً داخل الفكر الإمامي، وركَّز علىٰ النقل دون العقل، مما منحه صفة الأمانة في النقل لكنه أفقده القدرة علىٰ التحليل والتفاعل مع الواقع النصي والعقلي. ورغم تراجعه أمام المنهج الأصولي، فإنَّ حضوره لا يزال قائماً في بعض البيئات الحوزوية، ويشكّل جزءاً من الهوية التفسيرية.

 

 

 

الهوامش:


(1) كفاية الأصول: ص281.

(2) الفصول الغروية: ص240.

(3) الفوائد المدنية: ص356.

(4) الوافية في علم الأصول: ص140.

(5) الفوائد المدنية: ص355.

(6) الدرة النجفية: ص350.

(7) الميزان: ج 6، ص 16.

(8) البيان في تفسير القرآن: ص213 وص215؛ نهاية الدراية: ج2، ص91.

(9) التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب: ج1، ص185.

(10) البيان في تفسير القرآن: ص215 و216.

(11) أصول الفقه: ج1، ص46.

(12) فرائد الأصول: ج1، ص46.

(13) العدة: ج1، ص194؛ التمهيد في علوم القرآن: ص44 – 46.

(14) بحوث ورسائل الشهيد الصدر: ج1، ص121 – 123.

(15) وسائل الشيعة: ج27، ص33، ح8.

Edit Template
Scroll to Top