
المستخلص:
تبنَّىٰ الباحث في دراسته بيان السنن والمقامات والخصائص التي ورثتها – وجرت علىٰ – سيدة نساء العالمين من السيدة مريم العذراء (عليهما السلام) علىٰ شكل مقارنة، وبيان أوجه تشابه والتطابق والأفضلية بينهما عن طريق التتبع – علىٰ نحو الاستقراء الناقص – لسيرتهما والمقارنة فيما جرىٰ عليهما قرآنياً وروائياً بالاقتصار علىٰ محل الشاهد من الآيات القرآنية العظيمة المحكمة النازلة في السيدة مريم العذراء (عليها السلام) ووجه تأويلها في السيدة الزهراء (عليها السلام) وانطباقها عليها، والمشار بها إليها عن طريق روايات العترة الطاهرة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
الكلمات المفتاحية: السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، السيدة مريم العذراء (عليها السلام)، السنن.
الشكر والعرفان:
الشكر كله الله الذي هو سند لمن لا سند له، وعماد لمن لا عماد له، وذخر لمن لا ذخر له، ومعين لمن لا معين له، وأحمده مع قصوري وأشكره علىٰ إعانتي وإيصالي وتوفيقي وتسديدي وتسهيل أمري وقضاء حاجتي وإجابة دعوتي.
والشكر العظيم لأهل بيته (صلوات الله عليهم) سادتي وأولياء نعمتي في دنياي وآخرتي، وعلىٰ الخصوص الأب الحنون سيدي ومولاي وإمامي المنتظر عجَّل الله فرجه وسهل مخرجه وأوسع منهجه وقرَّب زمانه، إذ لولا دعائه ورعايته ونظرته ولطفه لما وصلت إلىٰ ما وصلت إليه.
الإهداء:
وإلىٰ مقامها وأبيها وبعلها وبنيها (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)، أهدي هذا الجهد المتواضع راجياً منهم القبول وقضاء الحوائج وتسهيل الأُمور وغفران الذنوب.
المقدمة:
الحمد لله تمام حمد النسمات وسبحان الله تسبيح ذوي الثفنات لله رب الآخرة والأُولىٰ، وسنام الصلوات علىٰ حجة الله الكبرىٰ وآيته العظمىٰ سيدنا ونبينا محمد المصطفىٰ، ودوام البركات علىٰ وصيه علي المرتضىٰ، وعترته أئمة الهدىٰ وحجج الله علىٰ الورىٰ، لا سيما بضعته الصديقة البتول الكبرىٰ، فاطمة الزكية علىٰ ظالميها لعائن الخالق والبرية.
إنَّ من تجليات العلاقة بين أهل الكتاب – النصارىٰ – وأهل البيت (عليهم السلام) هو التقارب والتماثل بين السيدة مريم العذراء أُم المسيح (عليها السلام) وبين الصدّيقة الشهيدة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ولمقامها الرفيع وأثرهما الرسالي في الأديان – المسيحي والإسلامي -، فقد جاءت وجوه التشابه بينهما لتقرر تماسك الرسالات السماوية مع بعضها، ومرجعيتها الواحدة في تجانس غاياتها ومقاصدها، ولعل من أوضح صور التقارب والتعاضد في المزايا والأوصاف الإلهية بينهما ما نص عليه القرآن الكريم من ذكرهما(1).
وأنَّ الكتاب المجيد يحرِّر بأعلىٰ درجات التقديس ذكر مقام السيدة مريم (عليها السلام) والصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليهما السلام)، ويماثل بينهما في مشهدين يحملان سمة التفكّر والتدبّر والاستنباط، فكلاهما من المُطَهَّرات المُحدّثات المُصطَفيات المنتجَبَات، وهما أُسُّ قواعد رسالات السماء وفيضها، وأُمَّهات رجال التضحية والفداء في سبيل كلمة الله تعالىٰ في أرضه. وقد أكَّدت البيانات الرسالية نقض ودفع التوهُّم انصراف الذهن لأفضلية السيدة مريم علىٰ الصديقة الكبرىٰ (عليها السلام) اعتماداً علىٰ مقامها القرآني، والتصريح باسمها، علىٰ حين غفلة ووهم، لأنَّهم لم يتصوَّروا مقام الزهراء الرسالي ومنزلتها الشاملة عند من سبقها بوجودها مصداقاً حياً لمرادات ومفاهيم النصوص القرآنية، لذا جاء تقرير ووصف النبي (صلىٰ الله عليه وآله) أفضلية الصديقة فاطمة (عليها السلام) علىٰ مريم (عليها السلام) في أكثر من موقف، ملمّحاً في الوقت نفسه إلىٰ مقام ومنزلة مريم (عليها السلام) وعلو مرتبتها كونهما سيدات النساء، وهذا الأمر لا ينفي التفاضل بينهما وهو سُنَّة إلهية تكون تبعاً للاجتباء والاصطفاء الإلهي والمسؤولية الرسالية التي تقترن بصاحبها(2).
بعد البيان المتقدِّم يتَّضح مسعىٰ الباحث إلىٰ تسليط الضوء علىٰ وراثة السيدة الزهراء (عليها السلام) من سننها، – وجري صفاتها -، وخصائصها ومقاماتها من السيدة مريم العذراء (عليها السلام) في عدَّة آيات ونقاط مشتركة بينهما، معزّزة بروايات علىٰ سبيل المقارنة، وأوجه التشابه، عن طريق تتبع الآيات القرآنية العظيمة المحكمة النازلة في السيدة مريم العذراء (عليها السلام)، والمشار بها إلىٰ السيدة فاطمة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها) ووجه تأويلها فيها، بروايات أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) مقسم إلىٰ فصلين.
أهمية الدراسة:
تكمن أهمية الدراسة في معرفة الأُطر الوراثية للسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) من سُنن ومقامات وخصائص وصفات وغيرها، ورفد المكتبة الشيعية بنمط بحثي جديد عنها، وتنوير فكر محبيها بلمحة معرفية جديدة، وتسهم هذه الدراسة برفع المنسوب الثقافي والمعرفي لدىٰ محبيها، واستفادة الخطباء وأهل المنبر والباحثين من معلومات الدراسة.
أهداف الدراسة:
تكمن أهداف الدراسة في بيان ماهية الأُطر الوراثية للسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها)، من السيدة مريم العذراء (عليها السلام) وتسليط الضوء عليها وبيان أوجه الانطباق والتأويل والتشابه والمفاضلة والجري والوراثة بينهما (عليهما السلام)، وذلك ببيان قرآني وروائي، وإثبات أنَّ وراثتها امتداد للخط الرسالي، ويسعىٰ الباحث لإضافة لمحة معرفية جديدة عنها (سلام الله عليها)، لزيادة وتعزيز وعي، وثقافة، ومعرفة محبي سيدة نساء العالمين (صَلَّىٰ الله عَلَيْهَا وَعَلَىٰ أَبِيهَا وَبَعْلِهَا وَبَنِيهَا).
بعض الدراسات السابقة:
وجدت دراستين منشورتين في هذا المضمون وهما كما يأتي:
1 – أ. م. د. مهدي حسين التميمي (2013). البتولتين فاطمة الزهراء ومريم العذراء التوافق في المؤثرات والخصائص. مجلة الكلية الإسلامية الجامعة، 1(20)، 193-217.
2 – أ. د. محمد السيد محمود زوين، (2016). أهل البيت (عليهم السلام) والأنبياء في القرآن الكريم اصطفاء إلهي واجتباء رسالي القسم الأول. مجلة العقيدة، العدد7. 41-120.
تمهيد:
يسعىٰ الباحث في بيان السُنن والوراثة وهي كما يأتي:
أوَّلاً: السُنن في القرآن والروايات:
وردت كلمة السُنَّة في القرآن العظيم في عدَّة آيات يودّ الباحث ذكرها وتفسير، وكذلك قد ورت في روايات تقسيم القرآن العظيم وهي كما يأتي:
قوله تعالىٰ: ﴿سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 62) السُنَّة هي الطريقة المعمولة التي تجري بطبعها غالباً أو دائماً، هي سُنَّة الله التي جرت في الماضين(3). وهي مفعول مطلق لفعل مقدر أي سنَّ سُنَّة الله أي هذه سُنَّة قديمة له سبحانه أن يظهر أنبياءه والمؤمنين بهم إذا صدقوا في إيمانهم وأخلصوا نياتهم علىٰ أعدائهم من الذين كفروا(4). وهذه السُنن لا تتبدل ولا تتحوَّل فهي ثابتة تجري علىٰ من تنطبق عليه.
قوله تعالىٰ: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً﴾ (فاطر: 43) تبديل السنة أن توضع العافية والنعمة موضع العذاب، وتحويلها أن ينقل العذاب من قوم يستحقونه إلىٰ غيرهم، وسُنَّة الله لا تقبل تبديلاً ولا تحويلاً لأنَّه تعالىٰ علىٰ صراط مستقيم لا يقبل حكمه تبعيضاً ولا استثناء(5). وهذا من خصائص السُنن القرآنية.
قوله تعالىٰ: ﴿سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً﴾ (الإسراء: 77) التحويل نقل الشيء من حال، إلىٰ حال، وقوله: ﴿سُنَّةَ﴾ أي كسنة من قد أرسلنا(6). وهذه خاصية ثانية للسُنن القرآنية.
عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ: عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَوْلِ الله: ﴿سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا﴾ قَالَ: «هِيَ سُنَّةُ مُحَمَّدٍ (صَلَّىٰ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ، وَهُوَ الْإِسْلاَمُ»(7).
الْعَيَّاشِيُّ: عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحَدِهِمَا (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ)، قَالَ: «إِنَّ الله قَضَىٰ الاِخْتِلاَفَ عَلَىٰ خَلْقِهِ، وَكَانَ أَمْراً قَدْ قَضَاهُ فِي عِلْمِهِ كَمَا قَضَىٰ عَلَىٰ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَهِيَ السُّنَنُ وَالْأَمْثَالُ تَجْرِي عَلَىٰ النَّاسِ، فَجَرَتْ عَلَيْنَا كَمَا جَرَتْ عَلَىٰ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِنَا، وَقَوْلُ الله حَقٌّ»(8).
عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَقُولُ: «نَزَلَ الْقُرْآنُ أَثْلَاثاً: ثُلُثٌ فِينَا وَفِي عَدُوِّنَا، وَثُلُثٌ سُنَنٌ وَأَمْثَالٌ، وَثُلُثٌ فَرَائِضُ وَأَحْكَامٌ»، وَعَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: «نَزَلَ الْقُرْآنُ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ: رُبُعٌ فِينَا، وَرُبُعٌ فِي عَدُوِّنَا، وَرُبُعٌ سُنَنٌ وَأَمْثَالٌ، وَرُبُعٌ فَرَائِضُ وَأَحْكَامٌ»، وعَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: «إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ: رُبُعٌ حَلَالٌ، وَرُبُعٌ حَرَامٌ، وَرُبُعٌ سُنَنٌ وَأَحْكَامٌ، وَرُبُعٌ خَبَرُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَنَبَأُ مَا يَكُونُ بَعْدَكُمْ وَفَصْلُ مَا بَيْنِكُمْ»(9)، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (عليه السلام) قَالَ: «الْقُرْآنُ أَرْبَعَةُ أَرْبَاعٍ: رُبُعٌ فِينَا، وَرُبُعٌ فِي عَدُوِّنَا، وَرُبُعٌ فَرَائِضُ وَأَحْكَامٌ، وَرُبُعٌ حَلَالٌ وَحَرَامٌ وَلَنَا كَرَائِمُ الْقُرْآنِ»، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام): «نَزَلَ الْقُرْآنُ أَرْبَاعاً: رُبُعٌ فِينَا، وَرُبُعٌ فِي عَدُوِّنَا، وَرُبُعٌ سُنَنٌ وَأَمْثَالٌ، وَرُبُعٌ فَرَائِضُ وَأحْكَامٌ، وَلَنَا كَرَائِمُ الْقُرْآنِ»(10).
يعرف الباحث سُنَّة الله بأنَّها نظامه الذي يجريه في خلقه وسيرته أو طريقته في خلقه، وهي معادلة إلهية كونية محكمة لا تنخرم ولا تنصرم.
ويقصد الباحث من سُنن السيدة مريم العذراء (عليها السلام) هي مجموعة أُمور وخصائص وصفات ومقامات نالتها السيدة وجرت عليها، وهي تجري أيضاً علىٰ السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بالوراثة والجري، سيفصلها الباحث ويبيِّنها علىٰ قدر المستطاع.
ثانياً: معنىٰ الوراثة:
إنَّ التماثل والتشابه بين السيدتين (عليهما السلام) يمكن أن يضعنا أمام ظاهرة تسمىٰ (الاستنساخ التاريخي) وهي فريدة من نوعها وغير واقع إلَّا بإذن الله دون الاستنساخ البشري الممكن كما في زماننا هذا، فإنَّه لا يقع إلَّا بين شخصيتين متماثلتين دينياً وعقائدياً كما هو مجال البحث(11).
فإنَّ هذه الوراثة ليست مادية، بل هي معنوية من قبيل الصفات والمقامات الخصائص وغيرها.
الفصل الأول: وراثة السيدة الزهراء (عليها السلام)
* الآية الأُولىٰ: قوله تعالىٰ: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ﴾ (التحريم: 12):
قوله تعالىٰ: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ﴾ ضربها الله مثلاً باسمها وأثنىٰ عليها ولم يذكر في كلامه تعالىٰ امرأة باسمها غيرها، وقوله: ﴿الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا﴾ ثناء عليها علىٰ عفتها، وقوله: ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها﴾ أي بما تكلَّم به الله سبحانه من الوحي إلىٰ أنبيائه كما قيل، وقيل: المراد بها وعده تعالىٰ ووعيده وأمره ونهيه، وفيه أنَّه يستلزم كون ذكر الكتب مستدركاً. وقوله: ﴿وَكُتُبِهِ﴾ وهي المشتملة علىٰ شرائع الله المنزلة من السماء كالتوراة والإنجيل كما هو مصطلح القرآن، ولعلَّ المراد من تصديقها كلمات ربِّها وكُتُبِه كونها صدّيقة، وقوله: ﴿وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ﴾ أي من القوم المطيعين لله الخاضعين له الدائمين عليه(12).
فقد كانت في القمة من حيث الإيمان، إذ آمنت بجميع الكتب السماوية والتعاليم الإلهية، ثم إنَّها كانت قد أخضعت قلبها لله، وحملت قلبها علىٰ كفِّها وهي علىٰ أتم الاستعداد لتنفيذ أوامر الباري (جلَّ شأنه)(13).
كذلك السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقد أحصنت فرجها لله وابتغاء مرضاته، فَجَزّاها علىٰ ذلك وأعطاها إمامين معصومين (عليهم أزكىٰ الصلاة وأتم السلام) وحرم ذريتها علىٰ النار، وصدَّقت بكلمات ربِّها وكُتُبِه وكانت من القانتين، وقد جاء تأويل هذه الآية عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فِي قَوْلِهِ (عَزَّ وَجَلَّ): ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها﴾، قَالَ: «هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ الله لِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ الله (صَلَّىٰ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ)»، وَقَالَ (عليه السلام): «إِنَّ فَاطِمَةَ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَحَرَّمَ الله ذُرِّيَّتَهَا عَلَىٰ النَّارِ»(14).
وقد بيَّن رسول الله (صَلَّىٰ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ) مصداق كلمات الله بقوله: «نَحْنُ كَلِمَةُ الله»(15)، وقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «نَحْنُ رُوْحُ اللهِ وكَلِماتُه»(16)، وقد أنشد حسان بن ثابت شعراً في مدحها(17) فقال:
إنَّ مريم أحصنت فرجها * * * وجاءت بعيسىٰ كبدر الدجىٰ
فقد أحصنت فاطم بعدها * * * وجاءت بسبطي نبي الهدىٰ
* الآية الثانية: قوله تعالىٰ: ﴿فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ (آل عمران: 37):
قوله تعالىٰ: ﴿فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً﴾ القبول إذا قيّد بالحسن كان بحسب المعنىٰ هو التقبُّل الذي معناه القبول عن الرضا، والمراد بإنباتها نباتاً حسناً إِعطاء الرشد والزكاة لها ولذريتها، وإفاضة الحيوة لها ولمن ينمو منها من الذرية حيوة لا يمسّها نفث الشيطان ورجس تسويله ووسوسته، وهو الطهارة(18)، وهذا إشارة إلىٰ تكامل مريم أخلاقياً وروحياً، قوله تعالىٰ: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ الكفالة ضم شيء إلىٰ آخر، لذلك يطلق علىٰ من يلتزم رعاية شؤون أحد الأطفال اسم الكافل أو الكفيل، أي أنَّه يضم الطفل إليه، إذا استعملت الكلمة ثلاثية مجرَّدة كانت فعلاً لازماً، وتتعدىٰ بنقلها إلىٰ باب الثلاثي المزيد كفل أي انتخاب الكفيل لشخص آخر(19)، قوله تعالىٰ: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً﴾ المحراب المكان المخصوص بالعبادة من المسجد والبيت، قيل: سمي بذلك لأنَّه موضع محاربة الشيطان والهوىٰ، وقيل: سمي بذلك لكون حق الإنسان فيه أن يكون حريباً أي سليباً من أشغال الدنيا ومن توزع الخاطر، وقيل الأصل فيه أنَّ محراب البيت صدر المجلس ثم اتَّخذت المساجد فسمي صدره به، وقيل: بل المحراب أصله في المسجد وهو اسم خص به صدر المجلس فسمَّىٰ صدر البيت محراباً تشبيهاً بمحراب المسجد. وفي تنكير قوله: ﴿رِزْقاً﴾ إشعار بكونه رزقاً غير معهود كما قيل: إنَّه كان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، ويؤيده أنَّه لو كان من الرزق المعهود، وكان تنكيره يفيد أنَّه ما كان يجد محرابها خالياً من الرزق، بل كان عندها رزق ما دائماً لم يقنع زكريا بقولها: ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ في جواب قوله: ﴿يا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هذا﴾، لإمكان أن يكون يأتيها بعض الناس ممن كان يختلف إلىٰ المسجد لغرض حسن أو سيء(20).
كذلك السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقد ورد أنَّه: «قَامَ النَّبِيُّ حتَّىٰ دَخَلَ عَلَىٰ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ)، وَقَالَ: أَنَّىٰ لَكِ هَذَا، يَا فَاطِمَةُ؟ فَرَدَّتْ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ فَخَرَجَ النَّبِيُّ (صَلَّىٰ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ) مُسْتَعْبِراً وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حتَّىٰ رَأَيْتُ لاِبِنْتِي مَا رَأَىٰ زَكَرِيَّا لِمَرْيَمَ، كَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً، فَيَقُولُ: ﴿يا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هذا﴾ فَتَقُولُ: ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾»(21).
أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) قَوْلُهُ: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ «وَالزَّهْرَاءُ كَفَّلَهَا رَسُولُ الله (صلّىٰ الله عليه وآله وسلَّم) وَلَا خِلَافَ فِي فَضْلِ كَفَالَةِ رَسُولِ الله (صلّىٰ الله عليه وآله وسلَّم) عَلَىٰ كُلِّ كَفَالَةٍ(22)، وبعده بعلها أمير المؤمنين (صلوات الله عليهما وآلهما) وهو كفؤ لها لا غيره، فَتَقَبَّلَ الله فاطمة ﴿بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً﴾ فأعطاها الحسن والحسين والمحسن وزينب (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)، هذه الأسماء مشتقات من بعضها وهي أُم الحُسن والمرزوقة».
* الآية الثالثة: قوله تعالىٰ: ﴿إِذْ قالَتِ المَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَىٰ ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ (آل عمران: 45):
قوله تعالىٰ: ﴿إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ﴾ أنَّ المراد بالملائكة هو جبرئيل، وأنَّ بشارة جبرئيل هي عين بشارة من هو تحت أمره من جماعة الملائكة وهو من سادات الملائكة ومقرِّبيهم، وفي تكلُّم الملائكة والروح مع مريم دلالة علىٰ كونها محدّثة، وقوله تعالىٰ: ﴿بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾ الكلمة بحسب ما يصطلح عليه القرآن أعني الكلمة المنسوبة إلىٰ الله تعالىٰ فهي الذي يُظهر به ما أراده الله تعالىٰ من أمر نحو كلمة الإيجاد وهو قوله تعالىٰ لشيء أراده: كن، أو كلمة الوحي والإلهام ونحو ذلك، والمراد من الكلمة هو النبي عيسىٰ (عليه السلام)، وقوله تعالىٰ: ﴿الْمَسِيحُ عِيسَىٰ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ هو الممسوح سمي به عيسىٰ (عليه السلام) لأنَّه كان مسيحاً باليُمن والبركة أو لأنَّه مسح بالتطهير من الذنوب، أو مسح بدهن زيت بورك فيه وكانت الأنبياء يمسحون به أو لأنَّ جبرائيل مسحه بجناحه حين ولادته ليكون عوذة من الشيطان، أو لأنَّه كان يمسح رؤوس اليتامىٰ، أو لأنَّه كان يمسح عين الأعمىٰ بيده فيبصر، أو لأنَّه كان لا يمسح ذا عاهة بيده إلَّا برء، فهذه وجوه ذكروها في تسميته بالمسيح، وقوله تعالىٰ: ﴿وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ﴾ الوجاهة هي المقبولية، وكونه (عليه السلام) مقبولاً في الدنيا مما لا خفاء فيه، وكذا في الآخرة بنص القرآن، وقوله تعالىٰ ﴿وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ معنىٰ المقرَّبين ظاهر فهو مقرَّب عند الله داخل في صف الأولياء والمقربين من الملائكة من حيث التقريب(23).
كذلك السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فهي محدّثة ومبشّرة بولديها كلمات الله (عزَّ وجلَّ) ووجهاء عند الله ومقرّبين، فقد قال رسول الله (صَلَّىٰ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ): «بُشِّرَتْ مَرْيَمْ بِوَلَدِهَا ﴿إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ﴾ وَبُشِّرَتْ فَاطِمَةَ بِالْحَسَنِ والْحُسَيْنِ(24) (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ)، وذريتهما إلىٰ القائم (عجَّل الله فرجه وسهل) وهم الأفضل (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)»، وقال (صلىٰ الله عليه وآله): «ليهنئك أن ولدتي إماماً يسود أهل الجنة»(25).
وورد أنَّ جابر بن عبد الله الأنصاري قال للإمام الباقر (عليه السلام): أشهد بالله أني دخلت علىٰ أُمِّك فاطمة (عليها السلام) في حياة رسول الله (صلىٰ الله عليه وآله) فهنَّيتها بولادة الحسين ورأيت في يديها لوحاً أخضر، ظننت أنَّه من زمرد ورأيت فيه كتاباً أبيض، شبه لون الشمس، فقلت لها: بأبي وأُمي يا بنت رسول الله (صلَّىٰ الله عليه وآله) ما هذا اللوح؟ فقالت: «هذا لوح أهداه الله إلىٰ رسول الله (صلَّىٰ الله عليه وآله) فيه اسم أبي واسم بَعْلي واسم ابني واسم الأوصياء من ولدي وأعطانيه أبي ليبشِّرني بذلك»(26).
وقد بيَّن أبيها (صَلَّىٰ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ) المراد من الكلمات وتأويلها بقوله: «نَحْنُ كَلِمَةُ الله»(27)، وقال بَعْلها أمير المؤمنين (عليه السلام): «نَحْنُ رُوْحُ اللهِ وكَلِماتُه»(28).
وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) بأنَّها محدَّثة بقوله: «إِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) مُحَدَّثَةً لِأَنَّ المَلَائِكَةَ كَانَتْ تَهْبِطُ مِنَ السَّمَاءِ فَتُنَادِيهَا كَمَا تُنَادِي مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ»(29).
وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالىٰ: ﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ (المطففين: 28) أنَّه قال: «هُمْ رَسُولُ الله (صَلَّىٰ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَالْأَئِمَّةُ (عليهم السلام)»(30)، والمقربون هم النمط الأعلىٰ من أهل السعادة(31).
وورد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليهم السلام) عَنْ قَوْلِهِ (عَزَّ وَجَلَّ): ﴿فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾ فَقَالَ: «هَذَا فِي أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ»(32).
يظهر من الروايات أعلاه أنَّ كلاهما محدَّثتان، ومبشَّرَتان بأولادهما كلمات الله (عزَّ وجلَّ)، ووجهاء عنده، ومن مقرَّبيه سبحانه وتعالىٰ، فقد ورد فيهم في دعاء التوسل: «يا سادَتِي وَمَوالِي إنَّي تَوَجَهْتُ بِكُمْ أَئِمَتِي وَعُدَتِي لِيَوْمِ فَقْرِي وَحَاجَتِي إلىٰ الله، وَتوَسَّلْتُ بِكمْ إلىٰ الله، وَاسْتَشْفَعْتُ بِكُمْ إلىٰ الله، فَاشْفَعُوا لِي عِنْدَ الله، وَاسْتَنْقِذُونِي مِنْ ذُنُوبِي عِنْدَ الله، فَإنَّكُمْ وَسِيلَتِي إلىٰ الله، وَبِحُبكُمْ وَبِقُرْبِكُمْ أرْجُو نَجاة مِنَ الله، فَكُونوا عِنْدَ الله رَجائِي يا سَادَتِي يا أوْلِياءَ الله، صَلىٰ الله عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ وَلَعَنَ الله أعْدَاءَ الله ظالِمِيهِمْ مِنَ الأوَلِينَ وَالآخِرِينَ آمِينَ رَبَ الْعالَمِينَ».
* الآية الرابعة: قوله تعالىٰ: ﴿وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلىٰ نِساءِ الْعالَمِينَ * يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ (آل عمران:42-43):
قوله تعالىٰ: ﴿وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ﴾ إنَّ المراد بالملائكة هو جبرئيل، وأنَّ بشارة جبرئيل هي عين بشارة من هو تحت أمره من جماعة الملائكة وهو من سادات الملائكة ومقرَّبيهم، وفي تكلُّم الملائكة والروح مع مريم دلالة علىٰ كونها محدَّثة(33)، وقوله تعالىٰ: ﴿وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلىٰ نِساءِ الْعالَمِينَ﴾ اصطفائها علىٰ نساء العالمين تقديم لها عليهن(34)، أَيْ عَلَىٰ نِسَاءِ عَالَمِي زَمَانِكِ لِأَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ الله (صَلَّىٰ الله عَلَيْهَا وَعَلَىٰ أَبِيهَا وَبَعْلِهَا وَبَنِيهَا) سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ(35)، وإنَّ المراد من تطهيرها جعلها بتولاً لا تحيض، قوله تعالىٰ: ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ القنوت هو لزوم الطاعة عن خضوع علىٰ ما قيل، والسجدة معروفة والركوع هو الانحناء أو مطلق التذلل، ولما كان النداء يوجب تلفيت نظر المنادىٰ (اسم مفعول) وتوجيه فهمه نحو المنادي (اسم فاعل) كان تكرار النداء في المقام بمنزلة أن يقال لها: إنَّ لك عندنا نبأ بعد نبأ فاستمعي لهما وأصغي إليهما: أحدهما ما أكرمك الله به من منزلة وهو مالك عند الله، والثاني ما يلزمك من وظيفة العبودية بالمحاذاة، وهو ما لله سبحانه عندك، فيكون هذا إيفاءً للعبودية وشكراً للمنزلة فيؤول معنىٰ الكلام إلىٰ كون قوله: ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ بمنزلة التفريع لقوله: ﴿وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلىٰ نِساءِ الْعالَمِينَ﴾ أي إذا كان كذلك فـ﴿اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾(36).
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) – في – مَعْنَىٰ الْآيَةِ «﴿اصْطَفَاكِ﴾ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ، ﴿وَطَهَّرَكِ﴾ مِنَ السِّفَاحِ، ﴿وَاصْطَفَاكِ﴾ لِوِلاَدَةِ عِيسَىٰ (عليه السلام) مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ»(37).
وجاء عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الله فِي الْكِتَابِ: ﴿وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلىٰ نِساءِ الْعالَمِينَ﴾ اصْطَفَاهَا مَرَّتَيْنِ، وَالاِصْطِفَاءُ إِنَّمَا هُوَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي: «يَا حَكَمُ، إِنَّ لِهَذَا تَأْوِيلاً وَتَفْسِيراً»، فَقُلْتُ لَهُ: فَسِّرْهُ لَنَا، أَبْقَاكَ الله. قَالَ: «يَعْنِي اصْطَفَاهَا أَوَّلاً مِنْ ذُرِّيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ المُصْطَفَيْنَ المُرْسَلِينَ، وَطَهَّرَهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي وِلاَدَتِهَا مِنْ آبَائِهَا وَأُمَّهَاتِهَا سِفَاحٌ، وَاصْطَفَاهَا بِهَذَا فِي الْقُرْآنِ ﴿يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي﴾ شُكْراً لِلهِ»(38).
وردت في الآية القرآنية العظيمة أربعة أُمور وهي الاصطفاء، والتطهير، وسيدة النساء، والتحديث للسيدة مريم (عليها السلام)، وقد جرَت علىٰ السيدة الزهراء (عليها السلام) وورثتها منها وهي علىٰ النحو الآتي:
أمَّا الاصطفاء فقد روي أنَّه قد دَخَلَ النَّبِيُّ (صلَّىٰ الله عليه وآله) عَلَىٰ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) وَعَائِشَةَ وَهُمَا يَفْتَخِرَانِ وَقَدِ احْمَرَّتْ وُجُوهُهُمَا فَسَأَلَهُمَا عَنْ خَبَرِهِمَا فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ النَّبِيُّ (صلَّىٰ الله عليه وآله): «يَا عَائِشَةُ أَوَمَا عَلِمْتِ ﴿أَنَّ الله اصْطَفىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ﴾ وَعَلِيّاً وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَحَمْزَةَ وَجَعْفَرَ وَفَاطِمَةَ وَخَدِيجَةَ ﴿عَلَىٰ الْعالَمِينَ﴾»(39)، الاصطفاء أخذ صفوة الشيء وتمييزه عن غيره إذا اختلطا، وينطبق هذا المعنىٰ بالنظر إلىٰ مقامات الولاية علىٰ خلوص العبودية وهو أن يجري العبد في جميع شؤونه علىٰ ما يقتضيه مملوكيته وعبوديته من التسليم الصرف لربِّه، وهو التحقُّق بالدين في جميع الشؤون فإنَّ الدين لا يشتمل إلَّا علىٰ مواد العبودية في أمور الدنيا والآخرة وتسليم ما يرضيه الله لعبده في جميع أموره(40)، والاصطفاء علىٰ العالمين، نوع اختيار وتقديم لهم عليهم في أمر أو أمور لا يشاركهم فيه أو فيها غيرهم(41)، فقد جاء عن علي بن إبراهيم في قوله تعالىٰ: ﴿سَلامٌ عَلىٰ عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفىٰ﴾ (النمل: 59) قال: هُمْ آلُ مُحَمَدّ (عليهم السلام)(42)، وقال أَبُو الْحَسَنِ الإمَامُ مُوسَىٰ بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام): «نَحْنُ الَّذِينَ اصْطَفَانَا الله»(43)، وقال الإمام الباقر (عليه السلام): «نَحْنُ صَفْوَةُ الله»(44).
وأمَّا كونها (عليها السلام) سيدة نساء العالمين فقد جاء عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ رَسُولِ الله (صَلَّىٰ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي فَاطِمَةَ: (إِنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) أَهِيَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِهَا؟ قَالَ: «ذَاكَ لِمَرْيَمَ كَانَتْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ عَالَمِهَا، وَفَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ»(45).
وأمَّا كونها (عليها السلام) طاهرة مطهَّرة فقد جاء عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صَلَّىٰ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ): «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي خَمْسَةٍ: فِيَّ، وَفِي عَلِيٍّ، وَفِي حَسَنٍ، وَحُسَيْنٍ، وَفَاطِمَةَ (عليهم السلام) ﴿إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾»(46)، وورد عن الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «اللَّهمَّ صلِّ علىٰ فاطمةَ بنت نبيِّك، وزوجة وليِّك، وأُمِّ السبطين الحسنِ والحسينِ الطاهرةِ المطهَّرة، الصِّدِّيقة الزكية، سيِّدة نساءِ أهل الجنَّة أجمعين، صلاةً لا يقوىٰ علىٰ إحصائها غيرك»(47).
وأمَّا كونها (عليها السلام) مُحَدَّثَة فقد قَالَ الإمَام الصَّادِق (عليه السلام): «إِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) مُحَدَّثَةً لِأَنَّ المَلَائِكَةَ كَانَتْ تَهْبِطُ مِنَ السَّمَاءِ فَتُنَادِيهَا كَمَا تُنَادِي مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ فَتَقُولُ يَا فَاطِمَةُ ﴿إِنَّ الله اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلىٰ نِساءِ الْعالَمِينَ﴾ يَا فَاطِمَةُ ﴿اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ﴾ فَتُحَدِّثُهُمْ وَيُحَدِّثُونَهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ ذَاتَ لَيْلَةٍ: أَلَيْسَتِ المُفَضَّلَةُ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ؟ فَقَالُوا: إِنَّ مَرْيَمَ كَانَتْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ عَالَمِهَا وَإِنَّ الله (عَزَّ وَجَلَّ) جَعَلَكِ سَيِّدَةَ نِسَاءِ عَالَمِكِ وَعَالَمِهَا وَسَيِّدَةَ نِسَاءِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ»(48).
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ لَمَّا قَرَأَ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ وَلَا مُحَدَّثٍ﴾: وَهَلْ يُحَدِّثُ المَلَائِكَةُ إِلَّا الْأَنْبِيَاءَ؟ قَالَ: مَرْيَمُ لَمْ تَكُنْ نَبِيَّةً وَكَانَتْ مُحَدَّثَةً، وَأُمُّ مُوسَىٰ بْنِ عِمْرَانَ كَانَتْ مُحَدَّثَةً وَلَمْ تَكُنْ نَبِيَّةً، وَسَارَةُ امْرَأَةُ إِبْرَاهِيمَ قَدْ عَايَنَتِ المَلَائِكَةَ فَبَشَّرُوهَا بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ وَلَمْ تَكُنْ نَبِيَّةً، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ الله (صَلَّىٰ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ) كَانَتْ مُحَدَّثَةً وَلَمْ تَكُنْ نَبِيَّةً(49).
وَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّىٰ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ): «وَأَمَّا ابْنَتِي فَاطِمَةَ فَإِنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَهِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي، وَهِيَ نُورُ عَيْنِي، وَهِيَ ثَمَرَةُ فُؤَادِي، وَهِيَ رُوحِيَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيَّ، وَهِيَ الْحَوْرَاءُ الْإِنْسِيَّةُ مَتَىٰ قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهَا (جَلَّ جَلَالُهُ) ظَهَرَ نُورُهَا لِمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ كَمَا يَظْهَرُ نُورُ الْكَوَاكِبِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ وَيَقُولُ الله (عَزَّ وَجَلَّ) لِمَلَائِكَتِهِ: يَا مَلَائِكَتِي انْظُرُوا إلىٰ أَمَتِي فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ إِمَائِي قَائِمَةً بَيْنَ يَدَيَّ تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهَا مِنْ خِيفَتِي، وَقَدْ أَقْبَلَتْ بِقَلْبِهَا عَلَىٰ عِبَادَتِي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ آمَنْتُ شِيعَتَهَا مِنَ النَّارِ وَأَنِّي لَـمَّا رَأَيْتُهَا ذَكَرْتُ مَا يُصْنَعُ بِهَا بَعْدِي كَأَنِّي بِهَا، وَقَدْ دَخَلَ الذُّلُّ بَيْنَهَا، وَانْتُهِكَتْ حُرْمَتُهَا، وَغُصِبَتْ حَقَّهَا، وَمُنِعَتْ إِرْثَهَا، وَكُسِرَ جَنْبُهَا وَكُسِرَتْ جَنْبَتُهَا، وَأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا، وَهِيَ تُنَادِي يَا مُحَمَّدَاهُ، فَلَا تُجَابُ وَتَسْتَغِيثُ، فَلَا تُغَاثُ فَلَا تَزَالُ بَعْدِي مَحْزُونَةً مَكْرُوبَةٌ بَاكِيَةً تَتَذَكَّرُ انْقِطَاعَ الْوَحْيِ عَنْ بَيْتِهَا مَرَّةً وَتَتَذَكَّرُ فِرَاقِي أُخْرَىٰ وَتَسْتَوْحِشُ إِذَا جَنَّهَا اللَّيْلُ لِفَقْدِ صَوْتِيَ الَّذِي كَانَتْ تَسْتَمِعُ إِلَيْهِ إِذَا تَهَجَّدْتُ بِالْقُرْآنِ، ثُمَّ تَرَىٰ نَفْسَهَا ذَلِيلَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فِي أَيَّامٍ أَبِيهَا عَزِيزَةً فَعِنْدَ ذَلِكَ يُؤْنِسُهَا الله تَعَالَىٰ ذِكْرُهُ بِالمَلَائِكَةِ فَنَادَتْهَا بِمَا نَادَتْ بِهِ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ فَتَقُولُ يَا فَاطِمَةَ ﴿إِنَّ الله اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾ يَا فَاطِمَةَ ﴿اقْتُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِهَا الْوَجَعُ فَتَمْرَضُ فَيَبْعَثُ الله (عَزَّ وَجَلَّ) إِلَيْهَا مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ تُمَرِّضُهَا وَتُؤْنِسُهَا فِي عِلَّتِهَا، فَتَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ: يَا رَبِّ إِنِّي قَدْ سَئِمْتُ الْحَيَاةَ، وَتَبَرَّمْتُ بِأَهْلِ الدُّنْيَا، فَأَلْحِقْنِي بِأَبِي فَيَلْحَقُهَا الله (عَزَّ وَجَلَّ) بِي فَتَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَلْحَقُنِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَتَقْدَمُ عَلَيَّ مَحْزُونَةً مَكْرُوبَةً مَغْمُومَةً مَغْصُوبَةً مَقْتُولَةً، فَأَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ: اللَّهمَّ الْعَنْ مَنْ ظَلَمَهَا، وَعَاقِبْ مَنْ غَصَبَهَا، وَذَلَّلْ مَنْ أَذَلَّهَا، وَخَلَّدْ فِي نَارِكَ مَنْ ضَرَبَ جَنبهَا حتَّىٰ أَلْقَتْ وَلَدَهَا، فَتَقُولُ المَلَائِكَةُ عِنْدَ ذَلِكَ آمِينَ»(50).
* الآية الخامسة: قوله تعالىٰ: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ (المائدة: 75):
أمَّا الصدّيقون فالذي يدل عليه لفظه هو أنَّه مبالغة من الصدق، ومن الصدق ما هو في القول، ومنه ما هو في الفعل، وصدق الفعل هو مطابقته للقول لأنَّه حاك عن الاعتقاد فإذا صدق في حكايته كان حاكياً لما في الضمير من غير تخلُّف، وصدق القول مطابقته لما في الواقع، وحيث كان القول نفسه من الفعل بوجه كان الصادق في فعله لا يخبر إلَّا عمَّا يعلم صدقه وأنَّه حق، فالصديق الذي لا يكذب أصلاً هو الذي لا يفعل إلَّا ما يراه حقاً من غير اتِّباع لهوىٰ النفس، ولا يقول إلَّا ما يرىٰ أنَّه حق، ولا يرىٰ شيئاً إلَّا ما هو حق فهو يشاهد حقائق الأشياء، ويقول الحق، ويفعل الحق(51). وهم الذين يصدقون في القول ويصدقون إِيمانهم بالعمل الصالح، ويثبتون أنَّهم ليسوا مجرَّد أدعياء الإِيمان، بل مؤمنون بصدق بأوامر الله وتعاليمه(52).
ورد أنَّ السيدة مريم كانت صديقة تصدق بآيات الله تعالىٰ(53)، والصديقة من ألقاب الزهراء الصديقة وتعني بأنَّها أصدق امرأة في دنيا الإسلام وغيره، وقد صدَّقت وآمنت بنبوَّة أبيها وما أخبر من شؤون الآخرة وغيرها(54)، وقد ورد عن عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيه أَبِي الْحَسَنِ (عليه السلام) قَالَ: «إِنَّ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السلام) صِدِّيقَةٌ شَهِيدَةٌ»(55)، الصدِّيقة علىٰ وزن فعيلة للمبالغة سمِّيت بها لشدَّة تصديقها بما جاء به أبوها، ولتصديق قولها بالفعل والعمل، والتسليم بجميع الرُسل والأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «اللَّهمَّ صلِّ علىٰ فاطمةَ بنت نبيِّك، وزوجة وليِّك، وأُمِّ السبطين الحسنِ والحسينِ الطاهرةِ المطهَّرة، الصِّدِّيقة الزكيَّة، سيِّدة نساءِ أهل الجنَّة أجمعين، صلاةً لا يقوىٰ علىٰ إحصائها غيرك»(56)، وأمَّا أنَّها الصدِّيقةُ الكبرىٰ فقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال يصفُ فاطمة (عليها السلام): «وهي الصدِّيقةُ الكبرىٰ»(57)، والمراد من وصفها بالكبرىٰ – والتي هي من صيغ التفضيل لوصف المؤنث المقابل للوصف بالأكبر مثل العظمىٰ مؤنث الأعظم – هو أنَّها أعلىٰ الصدِّيقات منزلةً وأفضلهُنَّ علىٰ الإطلاق، فما مِن صدِّيقةٍ في تاريخ الرسالات إلىٰ قيام الساعة إلَّا وفاطمة تفوقُها رتبة وكمالاً ومنزلةً عند الله تعالىٰ(58).
* الآية السادسة: قوله تعالىٰ: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلىٰ رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ﴾ (المؤمنون: 50):
إنَّ الآية هي ولادة عيسىٰ (عليه السلام) الخارقة للعادة وإذ كانت أمراً قائماً به وبأُمِّه معاً عدا جميعاً آية واحدة، والإيواء من الأوي وأصله الرجوع ثم استعمل في رجوع الإنسان إلىٰ مسكنه ومقرّه، وآواه إلىٰ مكان كذا أي جعله مسكناً له، والربوة المكان المرتفع المستوي الواسع، والمعين الماء الجاري. والمعنىٰ: وجعلنا عيسىٰ بن مريم وأُمّه مريم آية دالة علىٰ ربوبيتنا وأسكناهما في مكان مرتفع مستو وسيع فيه قرار وماء جار(59).
وورد أنَّ الربوة مشتقّة من الربا بمعنىٰ الزيادة والنمو، وتعني هنا المكان المرتفع،
والمعين مشتق من المعن علىٰ وزن شأن بمعنىٰ جريان الماء، فالماء المعين هو الماء الجاري، ويرىٰ البعض أنَّ (المعين) مشتق من (العين) أي نبع الماء الظاهر الذي يمكن مشاهدته بالعين المجرّدة، وفي هذا إشارة مجملة إلىٰ المكان الآمن الوارف البركات والخيرات، الذي منَّ الله (عزَّ وجلَّ) به علىٰ هذه الأُمّ وابنها وجعلهما في أمان من شرّ الأعداء، يؤدّيان واجباتهما باطمئنان(60).
وورد عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فِي قَوْلِ الله (عَزَّ وَجَلَّ): ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ قَالَ: «أَيْ حُجَّةً»(61)، كذلك السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) حجة الله فقد ورد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلَّىٰ الله عليه وآله): «إِنَّ الله جَعَلَ عَلِيّاً وَزَوْجَتَهُ وَأَبْنَاءَهُ حُجَجَ الله عَلَىٰ خَلْقِهِ وَهُمْ أَبْوَابُ الْعِلْمِ فِي أُمَّتِي مَنِ اهْتَدَىٰ بِهِمْ ﴿هُدِيَ إلىٰ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾»(62).
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، فِي قَوْلِ الله (عَزَّ وَجَلَّ): ﴿وَآوَيْناهُما إلىٰ رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ﴾ قَالَ: «اَلرَّبْوَةُ: الْكُوفَةُ، وَالْقَرَارُ: اَلمَسْجِدُ، وَالمَعِينُ: اَلْفُرَاتُ»(63).
عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فِي قَوْلِهِ (عَزَّ وَجَلَّ): ﴿وَآوَيْناهُما إلىٰ رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ﴾ قَالَ: «الرَّبْوَةُ: نَجَفُ الْكُوفَةِ، وَالمَعِينُ: اَلْفُرَاتُ»(64).
وقال علي بن إبراهيم في قوله: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً إلىٰ قوله وَمَعِينٍ﴾، قال: الربوة: الحيرة، وذات قرار ومعين: الكوفة(65).
عن يحيىٰ بن عبد الله، قال: كنّا بالحيرة، فركبت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فلمّا صرنا حيال قرية فوق المآصر قال: «هي هي» حين قرب من الشطّ وصار علىٰ شفير الفرات، ثمّ نزل فصلّىٰ ركعتين، ثمّ قال: «أتدري أين وُلد عيسىٰ (عليه السلام)»؟ قلت: لا، فقال: «في هذا الموضع الذي أنا جالس فيه»، ثمّ قال: «أتدري أي كانت النّخلة»؟ قلت: لا، فمدّ يده خلفه، فقال: «في هذا المكان»، ثم قال: «أتدري ما القرار؟ وما الماء المعين»؟ فقلت: لا، قال: «هذا هو الفرات»، ثمّ قال: «أتدري ما الرّبوة»؟ قلت: لا، فأشار بيده عن يمينه، فقال: «هذا هو الجبل إلىٰ النجف»(66).
عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ)، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيّاً﴾ قَالَ: «خَرَجَتْ مِنْ دِمَشْقَ حتَّىٰ أَتَتْ كَرْبَلاَءَ، فَوَضَعَتْهُ فِي مَوْضِعِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)، ثُمَّ رَجَعَتْ مِنْ لَيْلَتِهَا»(67).
قال أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِم السَّلاَمُ): «هَذِهِ وَالله الرَّبْوَةُ ذَاتُ قَرارٍ وَمَعِينٍ، الَّتِي وُلِدَ فِيهَا عِيسَىٰ (عَلَيْهِم السَّلاَمُ)، وَفِي مَوْضِعِ الدَّالِيِّ مِنْ ضَفَّةِ الْفُرَاتِ غَسَلَتْ مَرْيَمُ، وَاغْتَسَلَتْ وَهِيَ الْبُقْعَةُ المُبَارَكَةُ الَّتِي نَادَىٰ الله مُوسَىٰ مِنَ الشَّجَرَةِ، وَهِيَ مَحَطُّ رِكَابِ مَنْ هَنَّأَ الله بِهِ جَدَّهُ رَسُولَ الله (صَلَّىٰ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَعَزَّاهُ»(68).
قد يتوهَّم بعضهم بتعارض هذه الروايات وأمثالها التي تنص علىٰ معنىٰ الربوة النجف أو الكوفة أو الحيرة أو كربلاء، والمعنىٰ عند التدقيق في نصوص أهل البيت (عليهم السلام) واحد، فكيف ذاك وأنىٰ؟
يردّه زوين(69): أنَّ المُطَّلع علىٰ جغرافية اتِّصال النجف الأشرف بكربلاء المقدسة يلحظ من خلال الرسم والتصوير الجغرافي سلسلة جبلية تمتد من الحيرة اتِّصالاً بالنجف (ظهر الكوفة) تمتد باتِّجاه النجف غرباً وصولاً لكربلاء وهذه هي ما يشير إليها أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) بقوله: «الجبل إلىٰ النجف»(70)، ويتَّصل الفرات بها من جهات مختلفة لذا جاء التعبير عن الربوة مرَّة بالكوفة أو الحيرة أو كربلاء لتواصل هذه الحواضر بعضها مع بعض بسلسلة جبلية يظهرها ويستكشف معالمها الرسم الجغرافي وترىٰ أنَّ هذه المدن تقع عند حافة هذه السلاسل، فالنجف تقع في أعلىٰ منطقة لهذه السلسلة وتشكِّل الحيرة مكاناً يشبه لساناً يمتد بينهما (بين النجف والكوفة) لتظهر كلّها بصورة مثلث قاعدته من طرف الحيرة ومن الطرف الآخر الكوفة ورأسه هضبة النجف التي تعلوها ثلاثة تلال يتوسَّطها قبر الإمام علي (عليه السلام) وتتَّصل حافة هذه الهضبة مع امتداد الجبال المسمَّاة بـ(طار النجف) وصولاً والتقاءً بجبال أو (طار كربلاء).
إذاً فليس ثمة تباين واختلاف في إشارة أهل البيت (عليهم السلام) إلىٰ أنَّ موضع ولادة عيسىٰ (عليه السلام) كان في كربلاء(71)، التي يعبَّر عنها في كثير من الروايات بأنَّها البقعة المباركة، قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «﴿شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ﴾ الَّذِي ذَكَرُهُ تَعَالَىٰ فِي كِتَابِهِ هُوَ الْفُرَاتُ، وَالْبُقْعَةُ المُبَارَكَةُ هِيَ كَرْبَلاَءُ»(72).
بعد ما تقدَّم يتبيَّن حضور السيدة مريم العذراء (عليها السلام) في كربلاء لولادة روح الله وكلمته السيد المسيح النبي عيسىٰ (عليه السلام)، وكذلك السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) حضرت روحياً في واقعة الطف لندب ولدها الإمام الحسين (صلوات الله عليهما) بعد مقتله وجزّ رأسه الشريف، فقد دلَّ علىٰ ذلك روايات وهي كما يأتي:
وروي أنَّ رجلاً بلا أيد ولا أرجل وهو أعمىٰ، يقول: (ربِّ نجني من النار، فقيل له: لم تبق لك عقوبة، ومع ذلك تسأل النجاة من النار! قال: كنت فيمن قتل الحسين (عليه السلام) بكربلاء، فلما قتل رأيت عليه سراويلاً وتكة حسنة بعد ما سلبه الناس، فأردت أن أنزع منه التكة، فرفع يده اليمنىٰ ووضعها علىٰ التكة فلم أقدر علىٰ دفعها فقطعت يمينه، ثم هممت أن آخذ التكة فرفع شماله، فوضعها علىٰ تكته فقطعت يساره، ثم هممت بنزع التكة من السراويل، فسمعت زلزلة فخِفْتُ وتركته، فألقىٰ الله عليَّ النوم فنمت بين القتلىٰ، فرأيت كأنَّ محمداً (صلَّىٰ الله عليه وآله) قد أقبل ومعه علي وفاطمة، فأخذوا رأس الحسين (عليه السلام) فقبَّلَته فاطمة، ثم قالت: يا ولدي قتلوك قتلهم الله، من فعل هذا بك؟ فكان يقول: قتلني شمر وقطع يداي هذا النائم وأشار إليَّ، فقالت فاطمة لي: قطع الله يديك ورجليك وأعمىٰ بصرك وأدخلك النار، فانتبهت فأنا لا أبصر شيئاً وسقطت منِّي يداي ورجلاي، ولم يبق من دعائها إلَّا النار)(73).
روي عن سعيد بن المسيب، قال: لما استشهد سيدي ومولاي الحسين (عليه السلام) وحج الناس من قابل دخلت علىٰ علي بن الحسين (عليه السلام) فقلت له: يا مولاي قد قرب الحج فماذا تأمرني فقال: «امض علىٰ نيتك وحج»، فحججت فبينما أطوف بالكعبة وإذا أنا برجل مقطوع اليدين، ووجهه كقطع الليل المظلم، وهو متعلِّق بأستار الكعبة، وهو يقول: اللَّهمَّ ربّ هذا البيت الحرام اغفر لي وما أحسبك تفعل ولو تشفع في سكان سماواتك وأرضك، وجميع ما خلقت، لعظم جرمي! قال سعيد بن المسيب: فشغلت وشغل الناس عن الطواف حتَّىٰ حفَّ به الناس واجتمعنا عليه، فقلنا: يا ويلك! لو كنت إبليس ما كنا ينبغي لك أن تيأس من رحمة الله فمن أنت وما ذنبك؟! فبكىٰ وقال: يا قوم أنا أعرف بنفسي وذنبي وما جنيت، فقلنا له: تذكره لنا؟ فقال: أنا كنت جمّالاً لأبي عبد الله (عليه السلام) لمّا خرج من المدينة إلىٰ العراق، وكنت أراه إذا أراد الوضوء للصلاة يضع سراويله عندي فأرىٰ تكة (رباط السراويل) تغشي الأبصار بحسن إشراقها، وكنت أتمناها تكون لي إلىٰ أن صرنا بكربلاء، وقتل الحسين وهي معه، فدفنت نفسي في مكان من الأرض فلَّما جنَّ الليل، خرجت من مكاني فرأيت من تلك المعركة نوراً لا ظلمة! ونهاراً لا ليلاً! والقتلىٰ مطرحين علىٰ وجه الأرض، فذكرت لخبثي وشقائي التكة فقلت: والله لأطلبن الحسين وأرجو أن تكون التكة في سراويله فآخذها ولم أزل أنظر في وجوه القتلىٰ حتَّىٰ أتيت إلىٰ الحسين (عليه السلام) فوجدته مكبوباً علىٰ وجهه وهو جثة بلا رأس، ونوره مشرق مرمَّل بدمائه، والرياح سافية عليه، فقلت: هذا والله الحسين! فنظرت إلىٰ سراويله كما كنت أراها فدنوت منه، وضربت بيدي إلىٰ التكة لآخذها فإذا هو قد عقدها عقداً كثيرة فلم أزل أحلّها حتَّىٰ حللت عقدة منها فمد يده اليمنىٰ وقبض علىٰ التكة فلم أقدر علىٰ أخذ يده عنها ولا أصل إليها فدعتني النفس الملعونة إلىٰ أن أطلب شيئاً أقطع به يديه، فوجدت قطعة سيف مطروح فأخذتها واتَّكيت علىٰ يده ولم أزل أحزُّها حتَّىٰ فصلتها عن زنده، ثم نحيتها عن التكة ومددت يدي إلىٰ التكة لأحلّها فمد يده اليسرىٰ فقبض عليها فلم أقدر علىٰ أخذها فأخذت قطعة السيف، فلم أزل أحزُّها حتَّىٰ فصلتها عن التكة، ومددت يدي إلىٰ التكة لآخذها، فإذا الأرض ترجف والسماء تهتز وإذا بغلبة عظيمة، وبكاء ونداء وقائل يقول: وا ابناه! وا مقتولاه! وا ذبيحاه! وا حسيناه! وا غريباه! يا بني قتلوك وما عرفوك، ومن شرب الماء منعوك، فلما رأيتُ ذلك، صعقت ورميت نفسي بين القتلىٰ، وإذا بثلاث نفر وامرأة وحولهم خلائق وقوف، وقد امتلأت الأرض بصور الناس وأجنحة الملائكة، وإذا بواحد منهم يقول: يا ابناه يا حسين فداك جدُّك وأبوك وأخوك وأُمِّك، وإذا بالحسين (عليه السلام) قد جلس ورأسه علىٰ بدنه وهو يقول: لبيك يا جدَّاه يا رسول الله ويا أبتاه يا أمير المؤمنين ويا أُمَّاه يا فاطمة الزهراء، ويا أخاه المقتول بالسم، عليكم مني السلام، ثم إنَّه بكىٰ وقال: يا جدّاه قتلوا والله رجالنا، يا جداه سلبوا والله نساءنا، يا جداه نهبوا والله رحالنا، يا جداه ذبحوا والله أطفالنا، يا جداه يعزُّ والله عليك أنَّ ترىٰ حالنا، وما فعل الكفار بنا، وإذا هم جلسوا يبكون حوله علىٰ ما أصابه، وفاطمة تقول: يا أباه يا رسول الله أما ترىٰ ما فعلت أُمَّتك بولدي؟ أتأذن لي أن آخذ من دم شيبه وأخضب به ناصيتي وألقىٰ الله (عزَّ وجلَّ) وأنا مختضبة بدم ولدي الحسين؟ فقال لها: خذي ونأخذ يا فاطمة، فرأيتهم يأخذون من دم شيبه وتمسح به فاطمة ناصيتها، والنبي وعلي والحسن (عليهم السلام) يمسحون به نحورهم وصدورهم وأيديهم إلىٰ المرافق، وسمعت رسول الله يقول: فديتك يا حسين! يعزُّ والله عليَّ أن أراك مقطوع الرأس، مرمَّل الجبينين، دامي النحر مكبوباً علىٰ قفاك، قد كساك الذارئ من الرمول وأنت طريح مقتول، مقطوع الكفين يا بني من قطع يدك اليمنىٰ وثنىٰ باليسرىٰ؟ فقال: يا جدَّاه كان معي جمّال من المدينة وكان يراني إذا وضعت سراويلي للوضوء فيتمنَّىٰ أن يكون تكَّتي له، فما منعني أن أدفعها إليه إلَّا لعلمي أنَّه صاحب هذا الفعل فلما قتلت خرج يطلبني بين القتلىٰ، فوجدني جثة بلا رأس، فتفقَّد سراويلي فرأىٰ التكة، وقد كنت عقدتها عُقَداً كثيرة، فضرب بيده إلىٰ التكة فحلَّ عقدة منها فمددت يدي اليمنىٰ فقبضت علىٰ التكة، فطلب في المعركة فوجد قطعة سيف مكسور فقطع به يميني ثم حلَّ عُقْدة أخرىٰ، فقبضتُ علىٰ التكة بيدي اليسرىٰ كي لا يحلها، فتنكشف عورتي، فحزَّ يدي اليسرىٰ، فلمَّا أراد حل التكة حس بك فرمىٰ نفسه بين القتلىٰ، فلما سمع النبي كلام الحسين بكىٰ بكاءً شديداً وأتىٰ إليَّ بين القتلىٰ إلىٰ أن وقف نحوي، فقال: مالي ومالك يا جمّال؟ تقطع يدين طال ما قبَّلهما جبرئيل وملائكة الله أجمعون، وتباركت بها أهل السماوات والأرضين؟ أما كفاك ما صنع به الملاعين من الذل والهوان، هتكوا نساءه من بعد الخدور، وانسدال الستور، سوَّد الله وجهك يا جمَّال في الدنيا والآخرة، وقطع الله يديك ورجليك، وجعلك في حزب من سفك دماءنا وتجرأ علىٰ الله، فما استتمَّ دعاءه حتَّىٰ شلَّت يداي وحسستُ بوجهي كأنَّه أُلبس قطعاً من الليل مظلماً، وبقيت علىٰ هذه الحالة فجئت إلىٰ هذا البيت أستشفع وأنا أعلم أنَّه لا يغفر لي أبداً، فلم يبق في مكة أحد إلَّا وسمع حديثه وتقرب إلىٰ الله بلعنته، وكل يقول: حسبك ما جنيت يا لعين! ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾(74).
* الآية السابعة: قوله تعالىٰ: ﴿فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا﴾ (مريم: 24-25):
تشير الآية القرآنية العظيمة إلىٰ سماع السيدة مريم (عليه السلام) كلام جنينها النبي عيسىٰ (عليه السلام) وهو في بطنها بعد نفخه فيها من قبل الروح الأمين قائلاً: ﴿أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً﴾ (مريم: 24-25)، وقد تحدَّث الإمام الحسين (عليه السلام) قبل ولادته مع والدته السيدة الزهراء (عليها السلام) عندما كان لا يزال جنيناً في بطنها.
ينقل أنَّ رسول الله (صلىٰ الله عليه وآله) دخل يوماً علىٰ ابنته فاطمة (عليها السلام) فوجدها تتحدَّث مع شخص ولم يكن في المنزل أحد سواها، وعندما سألها عن ذلك، أخبرته أنَّها تتحدَّث مع ابنها وهو في بطنها، ثم أخبرته أنَّ الجنين قد أخبرها بأمور محزنة تتعلَّق بشهادته ومظلوميته وغربته وعطشه(75)، وينقل أنَّ السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت تسمع صوت جنينها الإمام الحسين (عليه السلام) في بطنها عند حملها به(76).
الفصل الثاني: الأفضلية والتشابه
بعد ما تقدَّم من الآيات النازلة في السيدة مريم العذراء (عليها السلام) وبيانها ووجه تأويلها وانطباقها علىٰ السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يشرع الباحث في مقارنة بعض المقامات والمفاضلة بينهما، وهي كما يأتي:
* البتول والتبتُّل: قوله تعالىٰ: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً﴾ فُسِّر التبتُّل بالانقطاع أي وانقطع إلىٰ الله، و﴿تَبْتِيلاً﴾ مفعول مطلق ظاهراً والمعنىٰ وقطع نفسك من غيره إليه تقطيعاً(77)، فالتبتُّل هو التوجُّه القلبي التام إلىٰ الله تعالىٰ، والانقطاع عن غيره إليه تعالىٰ، والإتيان بالأعمال الخالصة لله، وكذا الخلوص له تعالىٰ(78)، وقد جاء فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فِي قَوْلِهِ تَعَالَىٰ: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً﴾ يَقُولُ: «أَخْلِصْ إِلَيْهِ إِخْلاَصاً»(79)، فالتبتُّل الانقطاع إلىٰ عبادة الله، ومنه مريم البتول وفاطمة البتول؛ لانقطاع مريم إلىٰ عبادة الله، وانقطاع فاطمة عن القرين(80)، وهي أفضل منها، وقد سمِّيت بذلك؛ لأنَّها تبتَّلت، وانقطعت عن النظير، فليس لها ندٌّ من النساء يشبهها في فضلها، عفافاً وفضلاً وديناً وحسباً(81).
* الشفاعة: إنَّ للسيدة فاطمة الزهراء (عليهما السلام) الشفاعة الكبرىٰ يوم القيامة فقد (جعل الله مهر فاطمة الزهراء (عليها السلام) شفاعة المذنبين من أُمِّة أبيها (صَلَّىٰ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم الحشر(82)، وقد قال رسول الله (صلىٰ الله عليه وآله): «يا فاطمة، أبشري فلك عند الله مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك وشيعتك»(83)، – وفي رواية عن النبيّ (صلَّىٰ الله عليه وآله وسلَّم) وهو يخبر السيدة فاطمة (عليها السلام) عن أحداث القيامة، قال لها: «… ثُمَّ يَقُولُ جَبْرَئِيلُ يَا فَاطِمَةُ سَلِي حَاجَتَكِ، فَتَقُولِينَ: يَا رَبِّ شِيعَتِي، فَيَقُولُ الله: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَتَقُولِينَ: يَا رَبِّ شِيعَةَ وُلْدِي، فَيَقُولُ الله: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَتَقُولِينَ: يَا رَبِّ شِيعَةَ شِيعَتِي، فَيَقُولُ الله: انْطَلِقِي فَمَنِ اعْتَصَمَ بِكِ فَهُوَ مَعَكِ فِي الْجَنَّةِ فَعِنْدَ ذَلِكِ يَوَدُّ الْخَلَائِقُ أَنَّهُمْ كَانُوا فَاطِمِيِّينَ فَتَسِيرِينَ وَمَعَكِ شِيعَتُكِ وَشِيعَةُ وُلْدِكِ وَشِيعَةُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ آمِنَةً رَوْعَاتُهُمْ مَسْتُورَةً عَوْرَاتُهُمْ قَدْ ذَهَبَتْ عَنْهُمُ الشَّدَائِدُ وَسَهُلَتْ لَهُمُ المَوَارِدُ يَخَافُ النَّاسُ وَهُمْ لَا يَخَافُونَ وَيَظْمَأُ النَّاسُ وَهُمْ لَا يَظْمَئُونَ»(84) – ولا يوجد هناك دليل علىٰ شفاعة السيدة مريم (عليها السلام)، فيكون هذا الدال علىٰ شفاعة الزهراء (عليها السلام)، ودليل علىٰ كونها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، ودليل علىٰ أفضليتها.
* آيات وسور: للسيدة مريم العذراء (عليها السلام) آيات وسورة باسمها وهي سورة مريم، وآيات من سورة آل عمران، ولسيدة نساء العالمين (عليها السلام) سورة الكوثر والعديد من الآيات نازلة فيها.
* عطاء الله: جاء في الحديث: أعطىٰ الله الصفوة للسيدة مريم العذراء (عليها السلام)، والعلم للسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)(85).
* نساء الجنَّة: كلاهما من النساء أهل الجنة الأربع إلَّا أنَّ السيدة فاطمة الزهراء أفضلهن، فقد روي عن أبي سعيد في حديثه عن النبي (صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم): «إنَّه مرَّ في السماء السابعة، قال: فرأيت فيها لمريم ولأُم موسىٰ ولآسية امرأة فرعون ولخديجة بنت خويلد قصوراً من الياقوت، ولفاطمة بنت محمّد (صلَّىٰ الله عليه وآله وسلَّم) سبعين قصراً من مرجان أحمر مكلَّلاً باللؤلؤ، أبوابها وتكياتها أو قال: وتكاياها وأسرتها من عود واحد»(86).
* النور الساطع: ذكرت روايات أنَّ نوراً قد سطع عند ولادة السيدة فاطمة الزهراء والسيدة مريم العذراء (عليهما السلام)، وعند ولادة أولادهما (عليهم السلام).
* النسب: أنَّهما ترجعان في نسبهما إلىٰ النبي إبراهيم الخليل (عليه السلام)، فالسيدة مريم (عليها السلام) ترجع إلىٰ النبي إسحاق (عليه السلام) الذي منه جاء أنبياء بني إسرائيل ومنهم النبي عيسىٰ (عليه السلام)، وترجع سيدة النساء العالمين (عليها السلام) إلىٰ النبي إسماعيل (عليه السلام) الذي جاء منه نبيَّنا محمد (صلىٰ الله عليه وآله) والأئمة من ذريته (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين), فقد روىٰ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُوسَىٰ الرِّضَا (عليه السلام) عَنْ مَعْنَىٰ قَوْلِ النَّبِيِّ (صَلَّىٰ الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «أَنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْنِ» قَالَ: «يَعْنِي إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ(عليه السلام) وَعَبْدَ الله بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ، أَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَهُوَ الْغُلاَمُ الْحَلِيمُ الَّذِي بَشَّرَ الله تَعَالَىٰ بِهِ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)»(87).
* الأفضلية في الولادة: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «وَلَدَتْ مَرْيَمُ بِعِيسَىٰ فِي أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ وَوَلَدَتْ فَاطِمَةَ بِالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلَىٰ فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ الله أَعْلَمَ مَرْيَمَ بِسَلَامَتِهَا وَبِسَلَامَةِ مَا حَمَلَتْهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَطَرَّقَ إِلَيْهَا خَوْفٌ، وَالزَّهْرَاءُ حَمَلَتْ بِهِمَا وَهِيَ لَا تَعْلَمُ مَا يَكُونُ مِنْ حَالِهِمَا فِي الْحَمْلِ وَالْوَضْعِ مِنَ السَّلَامَةِ وَالْعَطَبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَثُوبَةٌ زَائِدَةٌ»(88)، وولدت السيدة الزهراء (عليها السلام) السيدتان زينب وأُم كلثوم (عليهما السلام) علىٰ فطرة الإسلام المحمدي الأصيل.
* الجمعة: السيدة مريم العذراء حملت بالمسيح (عليه السلام) يوم الجمعة(89)، ووُلِدَتْ السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في العشرين من جمادىٰ الآخرة يوم الجمعة سنة اثنتين من المبعث النبوي الشريف(90).
* كلاهما أنجبتا المعصومين الأطهار المطهرين (عليهم السلام).
* أولادها ينادون بأسماء أُمهاتهم (عليها السلام).
* استمرت ذرية السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بخلاف السيدة مريم العذراء (عليها السلام).
* استمرار الذكر الحسن لكلاهما.
* كلاهما لا قبر معروف لهما لحدِّ الآن.
* كلاهما لهما المكانة العالية عند أهل الشريعتين الإسلامية والمسيحية.
* كلاهما من أعظم الشخصيات النسائية مع بقية أقرانهن.
* أخلص إلىٰ أنَّ ثمة تماثل وتقارب بين مقام السيدة مريم العذراء (عليها السلام)، والسيدة الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فهما ممن كانتا موضع عناية الخالق واجتبائه، ورعايته واصطفائه فهما سيدتا النساء، إلَّا أنَّ الزهراء (عليها السلام) اختصَّت بسيدة نساء الأولين والآخرين، وكانت مريم (عليها السلام) سيدة نساء عالمها، كما أنَّهما من المحدَّثات، مريم بشهادة القرآن، والزهراء (عليها السلام) بشهادة أهل بيت، وهما من المطهَّرات بنصِّ الكتاب المجيد، والمخصوصات بالكرامات والإفاضات الإلهية، وهما قاعدة الدعوة للرسالتين السماويتين مريم أُم السيد المسيح (عليها السلام)، وفاطمة أُمّ أبيها والمدافعة عن الدعوة الإسلامية في حياة النبي والخلافة والولاية بعد شهادته (صلىٰ الله عليه وآله)، وهما شريكتا الخطاب الإلهي في القرآن الكريم بآيات عديدة، أوضحت شبكة روحية قِيَميَّة في تمثُّل مريم (عليها السلام) المصرَّح بها، المنصوص عليها قرآنياً، لفاطمة الزهراء (عليها السلام) المكني عنها، المشار إليها هدفاً في التأمل والنظر والتفكُّر وغاية للاطمئنان، والاعتقاد المستخلص من الاستدلال والاستنباط(91).
الهوامش:
(1) أ. د. محمد السيد محمود زوين، (2016). أهل البيت (عليهم السلام) والأنبياء في القرآن الكريم اصطفاء إلهي واجتباء رسالي القسم الأول. مجلة العقيدة، العدد7. 41-120: ص68.
(2) أ. د. محمد السيد محمود زوين، (2016). أهل البيت (عليهم السلام) والأنبياء في القرآن الكريم اصطفاء إلهي واجتباء رسالي القسم الأول. مجلة العقيدة، العدد7. 41-120: ص70-76.
(3) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج16، ص340.
(4) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج18، ص287.
(5) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج17، ص58.
(6) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج13، ص174.
(7) العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي: ج2، ص308.
(8) العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي: ج2، ص306.
(9) الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص627-628.
(10) الكوفي، فرات بن إبراهيم، تفسير فرات الكوفي: ص46-47.
(11) ذكر الباحث هذا المطلب في بحث الإمام الحسين (عليه السلام) وارث الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام).
(12) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج19، ص345.
(13) الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج18، ص468.
(14) الأسترآبادي، علي، تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ص677.
(15) للمجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج25، ص22.
(16) الأسترآبادي، علي، تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ص121.
(17) لابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص360.
(18) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج3، ص173.
(19) الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج2، ص482.
(20) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج3، ص174.
(21) الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، الأمالي: ص615.
(22) ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص134.
(23) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج3، ص191-195.
(24) ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص134.
(25) ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص134.
(26) الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج1، ص527.
(27) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج25، ص22.
(28) الأسترآبادي، علي، تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ص121.
(29) الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، علل الشرائع: ج1، ص182.
(30) القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي: ج2، ص411.
(31) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج19، ص121.
(32) الأسترآبادي، علي، تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ص629.
(33) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج3، ص191-195.
(34) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج3، ص189.
(35) الطبرسي، أبي علي الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن: ج2، ص290.
(36) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج3، ص189.
(37) الطبرسي، أبي علي الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن: ج2، ص276.
(38) البحراني، هاشم، تفسير البرهان في تفسير القرآن: ج1، ص623.
(39) الكوفي، فرات بن إبراهيم، تفسير فرات الكوفي: ص80.
(40) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج1، ص300.
(41) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج2، ص165.
(42) القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي: ج2، ص129.
(43) الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج1، ص226.
(44) الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، الأمالي: ص654.
(45) الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، معاني الأخبار: ص107.
(46) البحراني، هاشم، البرهان في تفسير القرآن: ج4، ص456.
(47) القمي، ابن قولويه، كامل الزيارات: ص402-404.
(48) الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، علل الشرائع: ج1، ص182.
(49) الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، علل الشرائع: ج1، ص183.
(50) الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، الأمالي: ص176.
(51) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج4، ص407-408.
(52) الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج3، ص314.
(53) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج6، ص73.
(54) القرشي، باقر شريف، موسوعة سيرة أهل البيت (عليهم السلام): ج9، ص46.
(55) الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج1، ص458.
(56) القمي، ابن قولويه، كامل الزيارات: ص402-404.
(57) الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، الأمالي: ص668.
(58) من مقال للشيخ محمد صنقور. https:/www.islam4u.com/
(59) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج15، ص35.
(60) الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج10، ص461.
(61) الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، كمال الدين وتمام النعمة: ج1، ص30.
(62) الحسكاني، الحاكم، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: ج1، ص76.
(63) الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، معاني الأخبار: ص373.
(64) الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام: ج6، ص38؛ القمي، ابن قولويه، كامل الزيارات: ص107.
(65) القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي: ج2، ص91.
(66) الرواندي، قطب الدين سعيد بن هبة الله، قصص الأنبياء: ج1، ص265.
(67) الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام: ج6، ص73.
(68) للخصيبي، الحسن بن همدان، الهداية الكبرىٰ: ص121.
(69) أ. د. محمد السيد محمود زوين، (2016). أهل البيت (عليهم السلام) والأنبياء في القرآن الكريم اصطفاء إلهي واجتباء رسالي القسم الأول. مجلة العقيدة، العدد7، 41-120: ص68-77.
(70) الرواندي، قطب الدين سعيد بن هبة الله، قصص الأنبياء: ج1، ص265.
(71) الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام: ج6، ص73.
(72) القمي، ابن قولويه، كامل الزيارات: ج1، ص48-49؛ الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام: ج6، ص38.
(73) المجلسي، محمد باقر بحار الأنوار: ج45، ص311؛ البحراني، عبد الله، عوالم العلوم والمعارف والأقوال، الإمام الحسين (عليه السلام): ج11 ص628؛ لبيب بيضون، موسوعة كربلاء: ج2، ص222؛ مقال الإمام الحسين (عليه السلام) للخوارزمي: ص115 تحقيق مركز سيد الشهداء (عليه السلام) للبحوث الإسلامية.
(74) المجلسي، محمد باقر. بحار الأنوار: ج45، ص316؛ للخصيبي، الحسن بن همدان، الهداية الكبرىٰ: ص207؛ البحراني، هاشم، مدينة المعاجز: ج3، ص 79؛ البحراني، عبد الله، عوالم العلوم والمعارف والأقوال، الإمام الحسين (عليه السلام): ج17، ص629.
(75) محطات من محرم الحرام، فديت الحسين (عليه السلام) بإبراهيم. مقال محمد مهدي ماندكار, في شبكة المعارف الإسلامية.
https: /www.almaaref.org/maarefdetails.php?id=19863&subcatid=1404&cid=425&supcat=6
(76) لبيب بيضون، موسوعة كربلاء: ج1، ص207.
(77) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج20، ص65.
(78) الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج19، ص135.
(79) القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي: ج2، ص392.
(80) الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، التبيان، ج10, ص164.
(81) القرشي، باقر شريف، موسوعة سيرة أهل البيت (عليهم السلام): ج9، ص48.
(82) كشف الغمة في معرفة الأئمة، الإربلي: ج1، ص506.
(83) للمجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج29، ص346.
(84) للمجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج43، ص227.
(85) ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص103.
(86) الزرندي، جمال الدين محمد، نظم درر السمطين في فضائل المصطفىٰ والمرتضىٰ والبتول والسبطين (عليهم صلوات المصلين عليهم): ص 182-183.
(87) الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، عيون أخبار الرضا: ج2، ص189؛ الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، الخصال: ج1، ص56.
(88) ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص134.
(89) المازندراني، محمد صالح، شرح أصول الكافي: ج7، ص257.
(90) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج95، ص196.
(91) أ. د. محمد السيد محمود زوين، (2016)، أهل البيت (عليهم السلام) والأنبياء في القرآن الكريم اصطفاء إلهي واجتباء رسالي القسم الأول. مجلة العقيدة، العدد7، 41-120: ص76.

