المُبلِّغ والمُبلَّغ – شراكة النجاح في بناء المجتمعات الدينية

دور المبلغ

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام علىٰ أشرف الأوّلين والآخرين محمّد وآله الطيِّبين الطّاهرين واللّعن الدائم علىٰ أعدائهم إلىٰ يوم الدين.

المقدمة

﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَىٰ الخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وأُولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 104).

يعتبر التبليغ وسيلة لتوجيه الناس نحو الخير وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وهو أيضاً وسيلة لنشر القيم الإيجابية والتعاليم الدينية التي تساهم في تحقيق السلام والتآخي بين الناس، كما أنَّه يساهم في التقوىٰ في المجتمعات الإسلامية ويعمل علىٰ بناء جيل ملتزم بتعاليم الدين.

ويشتمل الدين الإسلامي علىٰ مجموعة من الأحكام والتكاليف الدينية التي يتحمَّلها المكلّف، مثل أداء الصلوات الخمس في اليوم والليلة، وصيام شهر رمضان، وأداء فريضة الحج للمستطيع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها.

ويكون التبليغ بواسطة المُبلِّغ والسامع للمُبلِّغ هو المُبلَّغ (أي الناس).

وعليه فكل من المُبلِّغ والمُبلَّغ – أي الناس – له دور في تقويم المجتمع الإسلامي.

فدورُ المُبلِّغِ هو نقلُ الأحكامِ الشرعيةِ، من مصادرها ونشرها في المجتمع بينما دورُ المُبلَّغِ، أي المجتمع، هو تطبيق هذه الأحكامِ الشرعيةِ، ويلعبُ كلٌّ منهما دوراً حيويّاً في إيجاد مجتمع متكامل.

من خلال هذا البحث، سوف نركز علىٰ الدور المتبادل بين المُبلِّغِ والمُبلَّغِ، وسنركز علىٰ واجبات المُبلِّغِ وواجبات المُبلَّغِ ومن خلال هذه الأدوار وهذا التفاعلِ بينهما، سوف يساهم في تعزيز التواصل الفعّال داخل المجتمع، مما ينعكس إيجاباً علىٰ كل فرد مسلم ويجعله واعياً ومُثقّفاً دينيّاً.

نقاط البحث تتركز في:

الأول: ما يجب علىٰ المُبلِّغ ويتضمن عدّة أمور

الأمر الأول: واجبات المُبلِّغ.

الأمر الثاني: ما يجب علىٰ المُبلِّغ تجنبه.

الأمر الثالث: سلوك المُبلِّغ وصفاته.

الثاني: ما يجب علىٰ المُبلَّغ ويتضمن عدَّة أمور أيضاً

الأمر الأول: كيفية اختيار المُبلِّغ.

الأمر الثاني: واجبات المُبلَّغ.

الأمر الثالث: سلوك المُبلَّغ مع المُبلِّغ.

التعريفات:

– التبليغ: التبليغ بمعنىٰ الإيصال والإبلاغ بمعنىٰ الوصول والبلوغ بمعنىٰ الانتهاء، وعلىٰ ذلك يمكن القول إنَّ نتيجته الوصول لغاية ما، نعم ربما يكون ذلك الحد مكاناً أو زماناً أو أمراً(1)، فيكون التبليغ الإيصال إلىٰ أمرٍ ما، وهو في الإسلام تبليغ الشريعة المقدسة.

– المُبلِّغ: المبلغ لغة، (بضم الميم وفتح الباء وكسر اللام المشددة، المؤدي. للرسالة أو التحية، لأنَّه يتولىٰ إبلاغ ما كلف به)(2).

المبلِّغ في المجتمع الإسلامي: هو الشخص الذي يقوم بنقل الدعوة الإسلامية ويبلغ تعاليم الدين للناس، سواء بالتعليم أو الدعوة أو النصح.

أمّا المُبلَّغ وجمعه مبلَّغين فهم أفراد المجتمع أو الجمهور الذي يتلقىٰ الرسائل أو المعلومات من المُبلِّغ.

الأول: ما يجب علىٰ المُبلِّغ.

الأمر الأول: واجبات المبلغ.

١ – العلم والمعرفة:

يجب علىٰ المبلِّغ أن يكون عالماً بأحكام الدين ولو إجمالاً، فيجب عليه معرفة أحكام الدين وتعاليم أهل البيت (عليهم السلام) سواء كانت فقهية أو أخلاقية أو عقائدية.

روي الإمام الصادق (عليه السلام): «قال أنهاك عن خصلتين فيهما هلاك الرجال: أنهاك أن تدين الله بالباطل، وتفتي الناس بما لا تعلم»(3).

وروي الإمام الباقر (عليه السلام): «قال من أفتىٰ الناس بغير علم ولا هدىٰ لعنته ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه»(4).

٢ – الإخلاص في النية:

يجب أن يكون عمل المبلِّغ خالصاً لوجه الله تعالىٰ بعيداً عن الرياء ومصالحه الشخصية.

روي عن رسول الله (صلىٰ الله عليه وآله): «ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله والنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم».

وروي عن الإمام علي (عليه السلام) قال: «طوبىٰ لمن أخلص لله عمله وعلمه، وحبه وبغضه، وأخذه وتركه، وكلامه وصمته، وفعله وقوله».

وعنه (عليه السلام): «في إخلاص الأعمال تنافس أولي النهىٰ والألباب»(5).

٣ – الصبر والتحمل:

علىٰ المبلغ أن يتحلىٰ بالصبر، خصوصاً عند مواجهة الصعوبات والأذىٰ من الناس.

قال الله سبحانه وتعالىٰ في محكم كتابه الكريم: ﴿وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ﴾ (المزمل: 10).

٤ – الصدق والأمانة:

علىٰ المبلِّغ أن يكون صادقاً في كلامه وأن يكون أميناً في نقله للأحكام الشرعية والأخلاقية والعقائدية.

روي عن رسول الله (صلىٰ الله عليه وآله): «إنَّ أشد الناس تصديقاً للناس أصدقهم حديثاً، وإن أشد الناس تكذيباً أكذبهم حديثاً»(6).

روي عن الرسول (صلىٰ الله عليه وآله) قال: «قل الحق وإن كان مُرّاً»(7).

الأمر الثاني: ما يجب علىٰ المبلغ تجنبه

١ – الجهل وعدم التحري:

يجب علىٰ المبلِّغ أن يتجنَّب قول المعلومات دون التحقق من صحتها، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلىٰ الله عليه وآله): من عمل علىٰ غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح»(8).

٢ – التعصب:

ويجب أيضاً عليه أن يتجنَّب التعصُّب لرأي أو حكم السلام، (هلك فيَّ رجلان علىٰ حساب الحقيقة) عن رسول الله (صلىٰ الله عليه وآله وسلم): «مَنْ تَعَصَّبَ أَوْ تُعُصِّبَ لَهُ فَقَدْ خَلَعَ رَبَقَ الإيمان مِنْ عُنُقِهِ»(9).

٣ – الرياء والسمعة:

ويجب أيضاً أن يتجنَّب الرياء في عمله والسعي وراء الشهرة.

روي عن الرسول (صلّىٰ الله عليه وآله): «ومن قرأ القرآن يريد به السمعة والتماس شيء لقىٰ الله (عزَّ وجلَّ) يوم القيامة ووجهه عظم ليس عليه لحم، وزجَّ القرآن في قفاه حتَّىٰ يدخله النار ويهوىٰ فيها مع من يهوىٰ»(10).

الأمر الثالث: سلوك المبلغ وصفاته

١ – يجب علىٰ المبلغ أن يتطابق أفعاله مع أقواله وأن يلتزم بأحكام الدين بوجهٍ عام وتطبيق ما يدعو إليه، حتَّىٰ يكون كلامه مقبولاً عند المستمعين، فالناس ينظرون إلىٰ سلوك المبلغ ويدققون النظر فيه، فالمبلغ القدوة الذي يعامل الناس ويدعوهم بالقول والعمل فيصبح مؤثراً أشد التأثير، أمّا مخالفة العمل للقول، فإنَّه يجعل المستمعين لا يثقون به ولا بكلامه.

قال الله تعالىٰ: ﴿تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ (البقرة: 44).

ويقول أيضاً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُون﴾ (الصف: 2-3).

كما ينبغي يكون ورعاً تقياً تظهر عليه آثار التقوىٰ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، قَالَ فِيمَا نَاجَىٰ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) بِهِ مُوسىٰ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): «يَا مُوسىٰ، مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ المُتَقَرِّبُونَ بِمِثْلِ الوَرَعِ عَنْ مَحَارِمِي؛ فَإِنِّي أُبِيحُهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ لَا أُشْرِكُ مَعَهُمْ أَحَداً»(11).

٢ – واجبات المبلغ في الحقيقة، هي واجبات الأنبياء (عليهم السلام) الإلهية التي يسميها القرآن الكريم إبلاغ رسالات الله، مع أنَّه يوجد فارق من أن الأنبياء كانوا يتلقون رسالاتهم عن طريق الوحي، وأمّا المبلغ رسالته عن طريق الأنبياء والأوصياء وعليه هو إيصال الرسالة العقائدية والأخلاقية والفقهية التي جاء بها النبي محمد (صلّىٰ الله عليه وآله) وإيصالها إلىٰ الناس وإرشادهم فيجب عليه السعي لإحراز شروط التبليغ وتهيئة الأجواء الملائمة لتحقيق أركانه العملية والأخلاقية والفقهية في مهمة التبليغ.

كما يجب عليه أن يعرف كيف يوجه المجتمع والأُمَّة، ينبغي له أن يضع الدواء بما يناسب الداء، فمثلاً يأتي بفصول ملحمة عاشوراء ويوجهها نحو معالجة الأزمات والعلل التي يعاني منها المجتمع والأُمَّة اليوم، ولا يبرر للظلم والفساد، بل يوجه الناس نحو أفكار إيجابية تدعو إلىٰ التقدم والتطور.

وينبغي له أن يبث ثقافة الحق والإنصاف والعدالة، وقد أوصىٰ الأئمة (عليهم السلام) بإحياء ذكر أهل البيت (عليهم السلام) من خلال إقامة المجالس والعزاء واستذكار ما جرىٰ عليهم من المصائب والمآسي ليكون عبرة وعظة للمؤمنين، ويجب علىٰ المؤمنين كافة الاهتمام بإقامة مجالس الحسين (عليه السلام) والحضور فيها والحزن معهم في أيام حزنهم، امتثالاً لوصيتهم وعملاً بما أمروا به من مودتهم ومواساتهم، فإنَّ في ذلك صلاحاً لدينهم ودنياهم.

الثاني: ما يجب علىٰ المُبلَّغ

الأمر الأول: كيفية اختيار المُبلِّغ

اختيار المُبلِّغ في مجتمعنا يعتمد علىٰ مجموعة من العوامل، وبما أنَّ المُبلِّغ يلعب دوراً هاماً في نشر الدين وتعليم الناس الأحكام الشرعية، يجب علىٰ الناس أن يختاروا الشخص المناسب لهذه المهمة بعناية واهتمام بالتفاصيل، والإشارة إلىٰ هذه النقطة لنكتة مهمة وهي الابتعاد عن المتطفلين لهذا الصنف المهم من الناس.

أحياناً يكون اختيار المُبلِّغ من الحاكم الشرعي، وهذا لا خلاف فيه، إذ إنَّ الحاكم الشرعي هو الذي يختار المُبلِّغ المناسب لهذه الجهة أو القرية أو البلدة.

وفي أحيان أخرىٰ يكون اختيار المُبلِّغ من قبل الناس، هنا يجب مراعاة عدة عوامل ومعايير لاختيار المُبلِّغ المناسب، وهي:

1 – العلم والمعرفة:

يجب علىٰ الناس اختيار المُبلِّغ الذي يكون حاصلاً علىٰ تعليم ديني عالٍ من الحوزة العلمية، ويكون ملمّاً بالفقه والأصول والتفسير والعقائد، ولو إجمالاً، وأن يكون ملمّاً بالمعلومات العامة مثل التاريخ وسيرة أهل البيت (عليهم السلام)، ويتم ذلك من خلال استشارة أهل الخبرة في هذا المجال.

2 – السمعة الطيبة:

يجب أن يتمتع المُبلِّغ أو الخطيب بسمعة طيبة بين الناس، وأن يكون مقبولاً بينهم، يتطلب ذلك النظر إلىٰ سيرته، وأن يكون معروفاً بالصدق والأمانة والسلوك الحسن، حتَّىٰ يكون له تأثير إيجابي علىٰ المجتمع.

3 – الخبرة في التعامل مع الجمهور:

ينبغي اختيار المُبلِّغ الذي يمتلك خبرة في مجال الخطابة والأحكام الشرعية، يمكن معرفة ذلك من خلال مشاركاته الفعالة في المجالس الحسينية وقدرته علىٰ التعامل مع الجمهور والاستماع إلىٰ أسئلتهم.

عندما يكون المُبلِّغ أو الخطيب غير مناسب أو ينقل الحكم خطأ أو يرتكب خطأ ما، من الضروري أن يتعامل المُبلَّغ أو المجتمع بحكمة وتروٍ، هناك خطوات يمكن اتِّخاذها لمعالجة المشكلة والحفاظ علىٰ احترام المُبلِّغ:

1 – التأكد من المعلومات:

قبل اتِّخاذ أي إجراء، يجب التأكد من صحة المعلومة والتحقق مما إذا كان الخطأ قد وقع بالفعل من المُبلِّغ، قد يكون الأمر ناتجاً عن سوء فهم من المستمعين.

لذا، يجب جمع المعلومات الدقيقة حول المواضيع المثيرة للقلق من خلال مشارة أهل الخبرة والرجوع إلىٰ العلماء والفقهاء الموثوقين للتأكد من صحة المعلومة التي تناولها الخطيب أو المُبلِّغ.

2 – التواصل المباشر:

بعد التأكد من وجود معلومة خاطئة، يمكن التحدث مع المُبلِّغ بشكل مباشر وبأسلوب محترم لإبلاغه بالمشكلة أو الخطأ الذي ارتكبه، يجب أن يكون النقاش بعيداً عن الاتهامات، والتركيز علىٰ الملاحظات البناءة وتقديم النصيحة والإرشاد للخطيب أو المُبلِّغ حول كيفية تحسين أدائه أو تصحيح الخطأ.

3 – الصبر عليه:

يجب التحلّي بالصبر والتروي في معالجة الموقف، وتجنُّب التصرفات العنيفة وغير المحترمة التي قد تزيد من تعقيد المشكلة، قد يكون الخطيب أو المُبلِّغ مبتدئاً، لذا يجب تشجيعه علىٰ حضور دورات تدريبية وندوات لتحسين مهاراته في الخطابة والتواصل ومعرفته الدينية، إذا كانت الأخطاء متكررة ومستمرّة ولا يقبل تصحيحها، يمكن التواصل مع الحاكم الشرعي أو المرجعية الدينية أو المسؤول في تلك المنطقة لتغيير الخطيب أو المُبلِّغ.

الأمر الثاني: واجبات المُبلَّغ

1 – تعلم أحكام الدين:

من الضروري علىٰ المُبلَّغ – الناس – أن يتعلَّم أحكام الدين المختلفة، مثل الفقه والعقائد والأخلاق الإسلامية، ويجب عليه أن يطبق ما تعلمه من أحكام الدين في حياته اليومية مثل الصلاة والصوم والزكاة، هذا التعلم يساعده في العيش وفق تعاليم الإسلام بشكل صحيح، بل يجب تعلم حتَّىٰ مسائل الشك والسهو أفتىٰ الفقهاء أنَّه: (يجب تعلّم المسائل التي يبتلىٰ بها عادة – كجملة من مسائل الشكّ والسهو في الصلاة – لئلّا يقع في مخالفة تكليف إلزاميّ متوجّه إليه عند ابتلائه بها)(12).

2 – إحياء المجالس الدينية:

حضور المجالس الدينية، خاصة تلك المجالس التي تُقام في ذكرىٰ استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، والمواسم التبليغية الأخرىٰ وغيرها، فإنَّ لها أهمية كبيرة، هذه المجالس تعتبر فرصة للتعلم للأحكام الشرعية والتذكير بالمبادئ الإسلامية والقيم التي ضحىٰ من أجلها الإمام الحسين، حضور مجالس الحسين (عليه السلام) هو في حدِّ ذاته عبادة يتقرَّب بها إلىٰ الله سبحانه وتعالىٰ، روي عن الرضا (عليه السلام): «من تذكر مصابنا وبكىٰ لما ارتكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكر بمصابنا فبكىٰ وأبكىٰ لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يحيىٰ فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»(13).

كما رُوي عن الأئمة (عليهم السلام) في بعض الروايات، أنَّ مجالس الذكر محبوبة لديهم (عليهم السلام)، إذ يمكن من خلالها معرفة مظلومية أهل البيت ومعرفة حقيقتهم (عليهم السلام)، ومن تلك الروايات:

روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «تجلسون وتحدثون»؟ قلت: نعم، قال: «تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا، رحم الله من أحيىٰ أمرنا بأفضل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج عن عينيه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر»(14).

3 – نقل المعارف الدينية:

ويجب علىٰ المُبلِّغ أن ينقل ما تعلمه إلىٰ للناس للمساهمة في نشر الدين الصحيح، وبما أنَّ الأُسرة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع فلابد أن يشترك الجميع في هذا الواجب، ولو كان علىٰ الآخرين غير المبلغ من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع توفر شروطه فإنَّ بناء الأُسرة الأساس في تلقي تلك المعارف من المبلغ.

قال الله سبحانه وتعالىٰ: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَىٰ الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ المُفْلِحُون﴾ (آل عمران: 104).

وروي عن النبيّ (صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: «لا تزال أُمَّتي بخير ما أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وتعاونوا علىٰ البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلط بعضهم علىٰ بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء»(15).

وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه قال: «لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولىٰ عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم»(16).

ونحن نعلم أنَّ فروع الدين عشرة منها الصلاة والخمس والزكاة ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو واجب كفائي، ولكن يشترط فيه أن نعرف المعروف وأن نعرف المنكر ولو إجمالاً، ومعرفته تكون إمّا بالقراءة أو من خلال المُبلِّغ بحضورك لتلك المجالس الحسينية.

4 – الاستفسار عن الأمور الدينية:

ويجب عليه أن يستفسر عن أمور الدين التي تكون غير واضحة من العلماء والمراجع أو وكلاء العلماء لضمان الفهم الصحيح وتطبيق الدين الإسلامي بشكل صحيح، إنَّ المرجعية الدينية – الفقهاء والمراجع – تعتبر المصدر الأساسي لذلك، وهم الجهة الموثوقة لأخذ أحكام الدين منها، هؤلاء العلماء يمتلكون المعرفة المتعمقة في الفقه والعقائد ويصدرون الفتاوىٰ بناء علىٰ دراساتهم الدقيقة للشريعة الإسلامية.

الأمر الثالث: سلوك المُبلَّغ مع المُبلِّغ

من المهم جداً أن يتبع المُبلَّغ عدة سلوكيات وأخلاقيات عند التعامل مع المبلِّغ حتَّىٰ تتحقق الفائدة المرجوة من عملية التبليغ ومن بين هذه السلوكيات:

١ – الاحترام والتقدير:

يجب علىٰ المُبلَّغ أن يظهر الاحترام والتقدير للمُبلِّغ سواء كان في حضوره أو في غيابه وبهذا يشجع المُبلِّغ علىٰ تقديم أفضل ما لديه من معرفة ونصائح، كما يجب عليه أن يستمع بانتباه لما يقوله المُبلِّغ ويتجنب المقاطعة والتشويش عليه.

روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «إنَّ من حق العالم أن لا تكثر السؤال عليه، ولا تسبقه في الجواب، ولا تلح عليه إذا أعرض، ولا تأخذ بثوبه إذا كسل، ولا تشير إليه بيدك، ولا تغمزه بعينك، ولا تساره في مجلسه، ولا تطلب عوراته، وأن لا تقول: قال فلان خلاف قولك، ولا تفشي له سراً، ولا تغتاب عنده أحداً، وأن تحفظ له شاهداً وغائباً، وأن تعم القوم بالسلام وتخصه بالتحية، وتجلس بين يديه، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلىٰ خدمته، ولا تمل من طول صحبته فإنَّما هو مثل النخلة، فانتظر متىٰ تسقط عليك منها منفعة والعالم بمنزلة الصائم القائم المجاهد في سبيل الله، وإذا مات العالم انثلم في الإسلام ثلمة لا تسد إلىٰ يوم القيامة، وإن طالب العلم ليشيعه سبعون ألف ملك من مقربي السماء، ست عشرة خصلة تورث الفقر وسبع عشرة خصلة تزيد في الرزق»(17).

٢ – طرح الأسئلة باحترام:

وينبغي عليه عند عدم فهم نقطة معينة أو بحاجته إلىٰ التوضيح أن يطرح الأسئلة باحترام وأن لا يكون السؤال بتعصب أو بنقد جارح، مما يعكس اهتمامه ورغبته في التعلم. ويجب عليه أن يكون مستعداً لقبول النقد أو التصحيح من المُبلِّغ فلتعلم يتطلب تقبل الملاحظات والنصائح البناءة.

٣ – الشكر والامتنان:

إظهار الشكر والامتنان للمُبلِّغ يعكس ذلك أخلاق المُبلَّغ والمجتمع ومن المهم جداً أن يسعىٰ إلىٰ تطبيق ما يتعلمه من المُبلِّغ في حياته اليومية وتحويل المعرفة إلىٰ أفعال وسلوكياته في الخارج، روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «العلم مقرون بالعمل فمن علم عمل، والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلّا ارتحل عنه»(18).

وروي عن أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام): «من تعلم لله، وعمل لله، وعلم لله، دعي في ملكوت السماوات عظيماً، فقيل: تعلم لله، وعمل لله، وعمل لله»(19).

خاتمة البحث:

يُعد التبليغ الديني من أعظم الواجبات وأكثرها تأثيراً علىٰ المجتمع. يتطلب دور المُبلِّغ العلم والمعرفة بأحكام الدين، الإخلاص في النية، والتحلي بالصبر، الصدق، والأمانة، يجب علىٰ المُبلِّغ تجنب الجهل، التعصب، والرياء ليكون قدوة حسنة في أقواله وأفعاله.

كما يجب علىٰ المبلَّغ اتِّباع سلوكيات الاحترام والتقدير، طرح الأسئلة باحترام، وإظهار الشكر والامتنان للمُبلِّغ.

اختيار المُبلِّغ يتطلب مراعاة معايير العلم، السمعة الطيبة، والخبرة لضمان التأثير الإيجابي علىٰ المجتمع.

من خلال هذه المبادئ والقيم، يمكننا تعزيز نشر التعاليم الإسلامية الصحيحة وتوجيه المجتمع نحو السلوكيات الإيجابية، مما يحقق الفلاح والصلاح للأُمَّة الإسلامية.

نسأل الله تعالىٰ أن يوفق الجميع في خدمة دينه والعمل بأحكامه، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

أسال الله (عزَّ وجلَّ) أن يوفقنا جميعاً في هذا العمل، وأن يهدينا للعمل علىٰ تحقيق الخير والإصلاح في الذات والأُمَّة والمجتمع، وإصلاح الأسرة أيضاً، لكي نكون عند مستوىٰ مقبول عند الله، بحق محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.

 

 

 

الهوامش:


(1) انظر: الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، مادة بلغ.

(2) انظر: الزمخشري، محمد، معجم المعاني الجامع.

(3) كتاب الكافي: ج1، ص42.

(4) كتاب الكافي: ج1، ص42.

(5) كتاب ميزان الحكمة: ج١، ص754، محمد الريشهري (قدس سره).

(6) كتاب ميزان الحكمة: ج٢، ص١٥٧٣.

(7) الصدوق، محمد بن علي، الخصال: ص540.

(8) الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج1، ص92.

(9) الكليني، أصول الكافي: ج2، ص307.

(10) ميزان الحكمة: ج٢، ص١٠١٩.

(11) الكليني، محمد بن يعقوب: ج3، ص207.

(12) السيستاني، علي، الطبعة 1445هجري، الجزء الأول مسألة 19.

(13) الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص131.

(14) الحر العاملي – وسائل الشيعة – آل البيت: ج12، ص20.

(15) الحر العاملي – وسائل الشيعة – آل البيت: ج16، ص123.

(16) نهج البلاغة، ج4 خطب أمير المؤمنين (عليه السلام): ص77.

(17) الصدوق، محمد بن علي، الخصال: ص518.

(18) نهج البلاغة، ج4 خطب أمير المؤمنين (عليه السلام): ص85.

(19) الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي: ص197.

Scroll to Top