زيارة الأربعين من أوضح مصاديق الفتح

زيارة الأربعين من أوضح مصاديق الفتح

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علىٰ أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

«بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي بن أبي طالب إلىٰ بني هاشم، أمّا بعد فإنَّه من لحق بي منكم استشهد، ومن تخلَّف لم يبلغ مبلغ الفتح، والسلام»(1).

هذه الرسالة هي إحدىٰ رسائل سيد الشهداء (صلوات الله عليه) إلىٰ بني هاشم وقد تكون الأخيرة علىٰ ما يذكر علىٰ صغر حجمها وقلت كلماتها، لكنه أوضح فيها معالم نهضته المباركة ومصير من التحق به ومن تخلَّف عنه، أوضح فيها حتميات ثلاثة:

الحتمية الأولىٰ: استشهاد من لحق بركبه المبارك.

الحتمية الثانية: الفتح المبين من الله والشهداء معه هم الفاتحون.

الحتمية الثالثة: إنَّ المتخلِّف عنه لم يدرك ذلك الفتح ويبلغه، وأطلق عبارته ولم يفصل فيها.

ولابد أن نبين أولاً ما هو معنىٰ الفتح بشكل عام؟

الْفَتْحُ: النَّصْرُ. وَفِي حَدِيثِ الْحُدَيْبِيَةِ: أَهْوَ فَتْحٌ؟ أَيْ نَصْرٌ. وَاسْتَفْتَحْتُ الشَّيْءَ وَافْتَتَحْتُهُ؛ وَالِاسْتِفْتَاحُ: الِاسْتِنْصَارُ. وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّهُ كان يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ المُهَاجِرِينَ أَيْ يَسْتَنْصِرُ بِهِمْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ (الأنفال: 19). (معنىٰ كلمة فتح)(2).

والنصر مقدمة من مقدمات الفتح، وهذه المقدمة قد تتحقق ولكن ليس بنصر عسكري لأن هناك نصراً معنوياً ونصراً بالمبادئ ونصراً ببذل الدم في سبيل الله تعالىٰ، وواقعة كربلاء شاهد علىٰ ذلك حيث إنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) انتصر معنوياً بمبادئه وبدمه وبكل شيء علىٰ الرغم من أنَّه استشهد في سبيل الله ولم يحقق نصراً عسكرياً.

النصر والفتح في القرآن الكريم:

لقد ذكر القرآن الكريم النصر قبل الفتح علىٰ أساس أنَّه مقدمة للفتح، كقوله تعالىٰ في سورة النصر:

﴿‏إِذا جاءَ نَصْـرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً﴾ (سورة النصر).

وأيضاً في سورة الفتح:

﴿إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً * وَيَنْصُـرَكَ اللهُ نَصْـراً عَزِيزاً﴾ (الفتح: 1-3).

وهنا نسأل: أي فتح أراده سيد الشهداء (صلوات الله عليه) في رسالته الىٰ بني هاشم؟

إنَّ لفتح الإمام الحسين (عليه السلام) وجوهاً عدَّة، فقد أحيىٰ الضمائر والنفوس التي ماتت وحقق أهدافه في إصلاح ما أفسدته الدولة الأموية، فقد تلاعبت بالدين وحرَّفته وضيَّعته، فكشف (عليه السلام) عن فسادهم وانحرافهم وأبانهم علىٰ حقيقتهم بأنَّهم طلاب دنيا وسلطة وهذا من أعظم الفتوح.

زيارة الأربعين فتح من الحسين (عليه السلام):

جسَّدت زيارة الأربعين مصداقاً واضحاً للفتح الذي أراده الإمام الحسين (عليه السلام) قد تكون لعدة إيام لكنها أعطت لنا دروساً وأوضحت لنا المعالم وعلىٰ جميع الأصعدة.

ومن أبرز معالم هذه الزيارة:

1 – عالمية زيارة الأربعين، فقد اشتركت فيها مختلف الجنسيات، والملفت للنظر أننا نجد بعض الجنسيات ليست معتادة علىٰ المشي لعشرات الكيلومترات وفي أجواء حارة كما في العراق، لكن عشقهم لسيد الشهداء (صلوات الله عليه) هو الذي يحملهم للمسير إليه.

2 – تكريس روح الأخوة والإيثار في المجتمع المسلم.

3 – تجسيد عملي ليوم القيامة وعرصة النشور وسير الناس باتِّجاه واحد، فتنظر مع اختلاف الطرق المؤدية إلىٰ كربلاء الحسين (صلوات الله عليه) والتي تنتهي إلىٰ قبره الطاهر، والزوار يطلبون العفو والشفاعة والرضوان من الله ببركة سيد الشهداء (صلوات الله عليه).

4 – تعد زيارة الأربعين أكبر تجمُّع بشري في العالم من دون تحضير من جهة معينة، إذ إنَّه تجتمُّع عفوي يجمع ما يزيد عن العشرين مليوناً، والكل فيه يصدح ويعلن رفضه للظلم والتغطرس، فالكل ينادي بالعزة والرفعة، وبنصرة العدل.

5 – إعادة الحسابات الشخصية عند الكثير من الزائرين ورجوعهم إلىٰ جادة الصواب والإصلاح، والملفت للنظر ومن خلال التتبُّع الميداني انحسار الظواهر غير اللائقة بشكل كبير عاماً بعد عام ولله الحمد.

6 – إظهار الإيمان الحقيقي وبالدليل القاطع في أحقية أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين)، عندما تنظر إلىٰ تجمُّع بشري يفوق العشرين مليوناً ومن مختلف المستويات العقلية والفكرية والنفسية مجمعون علىٰ التضحية في الوقت والجهد والمال لإحياء هذه الشعيرة المباركة، تعلم أنَّ هذا لم يأتي من فراغ أو غفلة أو عن عقل جمعي أبداً.

7 – إفشال المخططات الخبيثة في إبعاد المجتمع عن قادته الحقيقين وهم طلبة وعلماء الحوزة العلمية، حيث تشرف طلبة الحوزة العلمية في النجف وبإشراف مباشر من سماحة آية الله السيد أحمد الأشكوري (أدام الله بقاءه) في التصدي لبيان الأحكام الشرعية للزائرين الكرام حيث انتشر المبلغون والمبلغات علىٰ الطرق المؤدية إلىٰ كربلاء الحسين (صلوات الله عليه) وبواقع يزيد عن الأربعة آلاف مبلِّغ ومبلِّغة، مضافاً إلىٰ المحطات القرآنية والمحطات الفكرية في فعاليات مختلفة.

وكانت أسئلة الزائرين متنوعة، فمنها العقائدية والفقهية مضافاً إلىٰ طرح المشاكل العائلية والمجتمعية، وطلب النصيحة وأخذ الحلول المناسبة.

إنَّ رجوع الزائرين لطلبة العلوم الدينية يعني أنَّهم ما زالوا في نظر المجتمع المأمونون علىٰ الدين، وهذا ينم عن شعور المجتمع بروح الأبوّة والنصيحة الصادقة لطلبة وعلماء الحوزة العلمية.

مع ملاحظة أنَّ الزوار في هذه الزيارة لم يكونوا من المجتمع العراقي فقط، بل هناك الملايين منهم من جميع البلدان، لذا عملت إدارة المشروع التبليغي علىٰ حضور مبلِّغين ومبلِّغات يتكلمون لغات مختلفة غير اللغة العربية وفعلاً توفر الكثير منهم ولله الحمد.

إذن هذا نوع من الفتح الذي أراده سيد الشهداء (صلوات الله عليه) وهو تحقيق المطلوب في طلب الإصلاح في أُمِّة جدِّه رسول الله (صلىٰ الله عليه وآله وسلم).

اللهم ارزقنا شفاعة الحسين (عليه السلام) يوم الورود واجعلنا من السائرين علىٰ نهجه، ومن زواره والخادمين لزواره.

والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والسلام علىٰ رسول الله محمد المصطفىٰ وآله الطيبين الطاهرين.

 

 

الهوامش:


(1) المجلسي، الشيخ محمد باقر المجلسي (أعلىٰ الله مقامه)، بحار الأنوار: ج٤٤، ص٣٣٠.

(2) انظر معجم المعاني الجامع، النسخة الإلكترونية، فتح.

Scroll to Top